لا أحد يستطيع فهم الخلافات الجوهرية الموجودة بين مكونات الأغلبية الحكومية الحالية والتي أدت إلى تدني مستوى خطابها السياسي وبالتالي أدت بشكل مباشر إلى انسحاب حزب الاستقلال من الإئتلاف الحكومي. هذا الحكم ليس اعتباطيا أو غير مبني على معطيات حقيقية و إنما هناك مجموعة من العوامل ساهمت في ضبابية موقف حزب الاستقلال من جهة وموقف العدالة والتنمية من جهة أخرى. فحزب الا ستقلال قرن قرار مجلسه الوطني القاضي بالانسحاب من الحكومة بالمطالبة بالتحكيم الملكي وحزب العدالة والتنمية عوض ان يصدر أمينه العام بلاغا يشرح فيه موقف الحزب من قرار الانسحاب إلتزم الصمت واصدر بلاغا بعدم البلاغ موضحا أن الأمين العام للحزب هو الناطق الرسمي الوحيد باسم الحزب. فاصبحنا أمام قراءات واحتمالات وسيناريوهات وأصبح البعض أو الجل يطالب بتطبيق الفصل 42 من الدستور رغم أن هذا الفصل لا ينظم هذه الواقعة بصراحة لأنه ينص على أن الملك هو الحكم الأسمى بين المؤسسات والحال أننا لسنا أمام نزاع بين مؤسستين دستوريتين وإنما أمام اختلاف بين حزب مكون للأغلبية وأحزاب داخل نفس الأغلبية وصل إلى حد سحب هذا الحزب لوزرائه وهي المسألة التي يجب ان تعالج بالكيفية التي انظم بها هذا الحزب إلى الائتلاف الحاكم. أوالاحتكام إلى الفصل 47 من دستور المملكة الذي يتحدث عن استقالة عضو أو أعضاء من الحكومة لأنه لا يمكن أن يكون هناك سحب الوزراء بدون تقديم الاستقالة وهو ما سينتج عنه الاعفاء وهو اختصاص ينظمه نفس الفصل (47) ويختص به رئيس الحكومة والملك بشكل مشترك. أما أن تكون المسألة بهده البساطة ونطلب التحكيم الملكي في شيء عاد يقع في جميع الدول الديموقراطية فهذا يدل عن قصورفي العمل الحزبي والسياسي المغربي وعن عدم نضج الطبقة السياسية وتحملها لمسؤولية قراراتها ومواقفها دون استحضار المؤسسة الملكية في كل كبيرة وصغيرة. أليس من باب القصور السياسي القفز على الفصل 47 من الدستور رغم وضوحه والمطالبة بالتحكيم الملكي في مسألة تتعلق بعمل الحكومة لوحدها؟ ام أن حزب الاستقلال يريد بمطالبته هذه أن يرسل رسالة معينة لا يفهمها إلا أمينه العام ولا يمكن ان تفهم من أي متتبع سياسي آخر ناهيك أن تفهم من بقية المواطنين العادين والذين صوتو على حزب الاستقلال. ليست المسألة في المغرب مسالة تحالف سياسي من عدمه وإنما في تنازع المصالح بين مكوناته والأحزاب الحالية غير قادرة على ممارسة الدور الذي يخوله لها الدستور في الفصل 7 والمتعلق بتأطير المواطنين والمواطنات وتكوينهم السياسي لأنه لومارست الاحزاب دورها الحقيقي في توعية المواطنين وتكوينهم سياسيا وتدريبهم على اتخاد القرارات ما وصل إلى منصب الأمين العام للحزب رجل كحميد شباط او إدريس لشكر اوحتى بن كيران. إن هذا القصور السياسي عند أغلبية أحزابنا هو ما يجعل زعماءها يلجؤون إلى الملكية للتحكيم متجاوزين الدستور والشعب في نفس الوقت .هل صرح أحد من زعماء الأحزاب على ان نرجع إلى الشعب ليقول كلمته منذ بداية هذه الأزمة عبر انتخابات سابقة لأوانها أم أنهم يمثلون الشعب شعار يصلح فقط عند سلخ الخصوم والاعداء؟. يظهر جليا هذا القصور السياسي في تصريحات كل من الأغلبية والمعارضة في نفس الوقت. فزعيم الأغلبية ورئيس الحكومة ما فتىء يبرر عجزه عن تناول الملفات الشائكة في محاربة الفساد بحديثه عن المقاومة والتماسيح والعفاريت لكن الواقع أن رئيس الحكومة يواجه أعداء سياسيين شرسين غير مخفيين فقط المجلس الوطني لحزب الاستقلال بين هذه المسألة ولم يكن ناشئا لها. أما المعارضة فلقصورها تتهم دائما الحكومة بمخالفتها للدستور وعدم استشارتها في القرارات المصيرية التي تتخذها كتجميد المليارات المخصصة لنفقات الاستثمار.أكتر من ذلك أننا شاهدنا مسرحبة الأغلبية والمعارضة في مسألة مصيرية ووطنية كقضية الصحراء التي اكتفت فيه الاغلبية والمعارضة بتبادل الاتهامات بينما أظهرت المؤسة الملكية قدرتها على التعاطي مع هذه الأزمة بشكل ديبلوماسي محكم. إن الحقيقة المرة التي أظهرها القرار الأخير لحزب الاستقلال هي أن الاحزاب المغربية لا زالت لم تملك قدرا من الاستقلالية لتبني مواقف برلماناتها كيفما كانت وإنما يصاحبها دائما هاجس من أن تتهم بزعزعة السيادة الوطنية والنظام السياسي وتعريض مصلحة المغرب إلى الخطر وهوما يتجلى في تصريح الوزير بنعبد الله لجريدة الصباح الذي وصف قرار حزب الاستقلال بالانسحاب من الحكومة بالخطير وكأننا أمام قرار يمس الوحدة الترابية أوالنظام الملكي ونفس المنحى سلكه بلاغ الأمين العام لحزب العدالة والتنميةالذي التزم الصمت حتى لا تفهم تصريحات الحزب على انها تهدف إلى عدم الاستقرار. إن المغرب في حاجة إلى مؤسسة حكومية قوية ومعارضة شرسة كل يمارس اختصاصاته الدستورية كاملة أما إعطاء مجرد انسحاب حزب من الأغلبية الحكومية كل تلك الهالة واتهامه بعرقلة عمل الحكومة والتشويش وكل هذه الصفات القدحية التي غابت أيام تشكيل الحكومة فإنها تنم عن قصور سياسي وعدم نضج في فهم الديموقراطية وآلياتها.