الآن وبعد أن هدأت زوبعة القرار الأممي المتعلق بحقوق الانسان في الصحراء بدأت الألسن تتحدث عن فشل المؤامرة الخارجية وعن نجاح الديبلوماسية المغربية في تني المجتمع الدولي عن تبني قرار توسيع اختصاصات المينورسو ليشمل حقوق الانسان في الصحراء. أكيد أن الدول العظمى خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تتحرك ولا تتراجع إلا بدافع مصالحها الاقتصادية والتي ترجع بالنفع على دولتها القومية وبالتالي علىمواطنها من حيث أنه فرد داخل هذه الدولة. فهل آن الأوان لنأخد العبرة والدلالات من تحرك الدول العظمى على المستوى الخارجي وتشن الحروب وتصدر القرارات من أجل راحة ونمومواطنيها على المستوى الداخلي. لوفهم مسؤولونا هذه النقطة لاشتغلوا اليوم قبل الغد بجد على وضع خطط تنموية حقيقية للنهوض بالمناطق الجنوبية (ولا أقول الصحراوية تجنبا لأي حمولة انفصالية).فالجنوب يجب ان لا نفكر فيه ونستحضره فقط عندما نسعى إلى تكريس الاجماع حول مقاربة الدولة للإصلاح وإنما في تكريس مبدأالمواطنة الحقيقية بما فيها المواطنة الاقتصادية والاجتماعية بما يسمح للمواطن في الجنوب ان يحس بتكافؤ الفرص بينه وبين جميع مواطني المملكة لا ان يحس بكونه استثناء في التوظيف والتشغيل والتطبيب وفي جميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية في بعض الأحيان. الغريب في هذه اللمنطقة من المملكة ان النسب مرتفعة دائما رغم تناقضها ولا يستطيع أي محلل اجتماعي فهمها فرغم التهميش الذي تعاني منه ورغم نسبة البطالة المرتفعة من حاملي الشهادات تجد ان نسبة المشاركة في الانتخابات خاصة حين التصويت على الدستور تكون مرتفعة أيضا...عكس ذلك في المناطق الأكتر رخاءا ونموا وبالتالي فالمحللين الذين بتحدثون عن الاجماع فليعيدوا قراءة نسب وأرقام التصويت على الدستور الحالي ليرو أين سجلت أعلى النسب هل في المناطق الصناعية أم في المناطق الجنوبية المهمشة إن كان يهمهم معرفة درجة الولاء للإدارة المركزية والاعتراف بها..فأين الأبواق الإعلامية التي كانت تركز على نسبة التصويت على الدستور الحالي والتي كانت تؤول نسب المناطق الجنوبية بما يخدم المنظومة السياسية التي تحكمنا وتحول مجرد التصويت على الدستور إلى تأكيد البيعة وولاء هذه المناطق للعرش العلوي المجيد. هل يفهم من هذا أن المناطق التي عرفت مقاطعة الدستور أو التصويت عليه بنسب ضئيلة في الدار البيصاء والرباط أن ولائها مشكوك فيه أو غير تام؟. إن الاعتماد على المقاربة "الانتقائية" في الاصلاح من طرف الدولة هو ما يذكي النزعة الانفصالية والأنانية الجهوية لدى المواطن المغربي وليس فقط لدى المواطن الجنوبي لأن المقاربة الانتقائية تتعامل مع المناطق والأقاليم ليس من حيث عدد سكانها وظروفها الاجتماعية وإنما انطلاقا من تأثيرها على تقلبات الاقتصاد الوطني وهكذا تعطى الأولوية دائماللمناطق الصناعية والفلاحية التي تشكل وعاءا ضريبيا مهما بالنسبة للدخل القومي للدولة رغم ان الدولة هي المسؤولة الاولى عن وجود هذا الفارق وذلك بتكريس اقتصاد الريع وانتشار المشاريع الاقتصادية المهمة التي تدر على أصحابها امولا طائلة لمجرد أن صاحبها يملك رخصة دون غيره بغظ النظر عن قدراته وإمكانيته الشخصية والذاثية وهو ما يضرب مبداالمواطنة وتكافؤ الفرص عرض الحائط . والمغالطة الكبيرة في الأمر أن مبدا المواطنة في المغرب مبدأ سياسي فقط رغم أن الأدبيات السياسية والقانونية تتحدث عنه كمبدا عام يشمل الاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة...فأن تكون مواطنا مغربيا يكفي فقط أن تساير المنظومة السياسية السائدة وألا تعارض الاجماع السياسي وافعل ما شئت بعدها ولو ان ان تشتغل في التهريب والتملص الضريبي فهذا لا ينقص من مواطنتك في شيء رغم ان القانون قد يعاقبك يوما. لقد آن الاوان للتطبيق الحرفي والحقيقي للفقرة الثانية من الفصل السادس من دستور المملكة والتي تقول "تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين والمساواة بينهم ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية". سطرت على الاقتصادية والاجتماعية لان السياسية والثقافية فالسلطة تملك وسائل القوة والقهر لتوفير ذلك . فتكييف قيم القبلية والمحسوبية والزبونية والاختلاس الانتخابي في الجنوب لضمان الولاء الامشروط للمنظومة السياسية السائدة لا يعدوان يكون حلا "ترقيعيا"لحظيا يؤجل العضب الشعبي ولا يقضي عليه.