بقلم : عادل دريدر [email protected] يحق لنا اليوم كمغاربة أن نتغنى بالأغنية التي تغنت بها مجموعة "جل جيلالة" ذات يوم..."لله يا سفينة فين غاديا بينا؟"..بل يحق لنا أن نعتمدها نشيدا رسميا يردده إعلامنا في قنواته و يفتتح به أطفالنا حصصهم الدراسية في مدارسهم، و ذلك لأنها تعكس واقعنا الذي يغلي بالتناقضات حتى ليخيل للرائي أنه فقد بوصلته فأصبح يخبط خبط شعواء في الليلة الظلماء، أو كمركب فقد أشرعته فأخذت تتقاذفه الأمواج العاتية في بحر لجي حتى يقضي الله فيه أمرا كان مفعولا. و إذا كان الكثير من ركاب السفينة لا يهمهم من الأمر شيئا و لا يجيدون إلا التقوقع على ذواتهم و أمنياتهم و مصالحهم الشخصية، لا يجمع بينهم غير الزمان و المكان، فإن عبث البعض الآخر بمنظومة اجتماعهم لا شك أنه سيحدث ثقوبا بهذا الفلك الذي سينتهي به المطاف إلى الغرق، لا محالة، إلا إذا رحمه الله فاستيقظ أهله من سباتهم و سارعوا إلى نجدة أنفسهم. الذي يدعونا لتشبيه سفينتنا ب"التايتنيك" هو أننا دشنا بسرعة قياسية"ما بعد حداثة" يمكن أن تفاجئ و تثير استغراب حتى أولئك الذين سبقونا إليها في الغرب، بعد أن عانوا ما عانوا و هم يشقون طريق نجاحاتهم العلمية و التكنولوجية، حتى خالوا ؟أنفسهم "آلهة" تبيح لنفسها ما تشاء من الأفعال و ترسم لنفسها ما تشاء من القيم و المعايير و هي لا تسأل عما تفعل، لا يوجد في قاموسها "حرام" و لا "قبيح"، فكل ما يحقق"المصلحة" و "المتعة" فهو جائز و حلال!..أما نحن، "فخرجنا ليها نيشان"، و أعلناها حربا مقدسة ضد القيم، حتى أصبحت سفينتنا، يعني التايتانيك، جسما مريضا بمرض مزمن ينقل جيناته الحاملة للمرض إلى ما تناسل منه، فاجتمع علينا البلاء من كل حدب و صوب..التخلف العلمي و الفساد الأخلاقي، و لم ندر أن الله إذا أراد أن يهلك قرية أمر مترفيها ففسقوا فيها فسلط عليهم العذاب. تجليات هذا المرض كثيرة جدا، و هي لا تعدو أن تكون في حقيقتها "سخانة" تدفع الجسم للانتفاض لعل ما تبقى له من مناعة تستطيع حمايته و لو إلى حين!.." و "سخانة الغش" في الامتحانات، بينت بقوة حقيقة الوجه البشع ل" التايتانيك" في حلتها المغربية، و حجم الفراغ المهول الذي يعيشه أبناؤنا في أسرهم و في جميع المؤسسات الاجتماعية التي تدخلت في بناء وعيهم الجمعي، و بينت إلى أي حد نجحنا في زرع قيم الانحطاط و الانتهازية و اللصوصية داخل نفوسهم، و كيف أنجبنا جيلا سيستميت في الدفاع عن مثل هذه القيم البديلة، و ربما ينجح في أن ينتزع لها اعترافا من القانون أو حتى من الدين إذا استطاع إلى تحريفه سبيلا!...هكذا عشنا أجواء امتحانات الباكالوريا الأخيرة، و قد جعل المترشحون، بجميع فئاتهم، تلامذة رسميين و رجالا أحرارا – و الحرية منهم براء- بموسطاشاتهم، و نساء بوظائفهن و أولادهن، نقول جعل كل هؤلاء المترشحين شعارا لمعركتهم -أم المعارك-.."أنا أغش إذن أنا موجود"!..و أنت يا من تقول ب"قيم" الحشمة و الكرامة و الاستحقاق، يمكنك أن تلتهمها في "سندويش" صغير مع كأس بارد من عصير البرتقال لتستريح من إزعاجها لضميرك العجوز، خصوصا أن مثل هذه القيم أصبحت الآن بالية ولا يمكن تصريفها في أي بنك من البنوك!..و هكذا شاهدنا بأم أعيننا كيف عانى أولئك الذين يحرسون "القيم القديمة" الويلات و هم يقومون بواجبهم و كيف نظر إليهم، حتى من بعض زملائهم للأسف الشديد، بعين الازدراء و الاتهام، و كيف أن البعض منهم نجا بقدرة قادر من انتقام"جيل التايتانيك" بعد أن وقاه الله شر حجارة من سجيل كادت تذهب بعمره أو تصيبه بعاهة ترغمه على الجلوس في كرسي متحرك يقضي ما تبقى من حياته"شاهدا على العصر"!..و ستكون المفارقة مضحكة، أنه عندما تتاح لنا فرصة الحديث، فنلقي سهام نقدنا و جام غضبنا على من يتولون أمور دنيانا و سياستها، فننعتهم بخيانة الأمانة و بالغش و الفساد، و نسينا أننا نعيب زماننا و العيب فينا و ما لزماننا عيب سوانا، و لقد عبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن هذه المفارقة أحسن تعبير، عندما سأله أحدهم عن سبب الفتن التي كثرت في ولايته في الوقت الذي عرف الناس أمنا و رخاء أيام عثمان رضي الله عنه، فأجابه ابن عم الرسول صلى الله عليه و سلم بنوع من التأنيب و التوبيخ: «لأن عثمان كان يحكم مثلي، و أنا الآن أحكم مثلك» ...ربنا اغفر لنا ما قدمنا و ما أخرنا و ما أنت اعلم به منا..إنك أنت الغفور الرحيم.