غير خاف على كل متأمل للواقع المغربي وما يشهده من تدافع وحراك ان التيار السلفي ونقصد به أتباع الشيخ الدكتور محمد بن عبد الرحمان المغراوي أصبح له وزن في الخريطة السياسية الحديثة . فعودة الدكتور من منفاه الاختياري بالمملكة العربية السعودية في اوج الصراع الذي يشهده العالم العربي تحمل اكثر من دلالة وتطرح اكثر من علامة استفهام . في الحوار الصحفي الذي اجرته جريدة المساء مع الدكتور المغراوي عقب رجوعه من السعودية اجاب بعد سؤال وجه له عن سبب العودة بان الامر متعلق بما بدى يلوح في الافق من ملامح مغرب الاصلاح والتغيير متوافقا مع ما جاء في الخطاب الملكي ل9 مارس وكذلك ما بات يعرفه الشارع المغربي من حراك. لا يمكننا ابدا ان نتكهن بالسبب الحقيقي التاوي خلف هذه العودة خاصة ان الشيخ قد شرح لنا حيثياتها، وان كانت بعض القراءات الاخرى ترى ان هذه العودة كانت بايعاز من السلطة من اجل استئناف معركته ضد جماعة العدل والاحسان احد اهم مكونات حركة 20 فبراير. ولكن الملفت للانتباه هو ان الشيخ ومباشرة بعد عودته افتى بان التظاهر في بلد الاسلام حرام وهي فتوى فهم منها البعض انها رسالة موجهة الى شباب حركة 20 فبراير ان لا مبرر يُسْنِدُكم للخروج للتظاهر وهو امر يضرب الحركة في الصميم .لكن في المقابل نجده في سياق اخر قال بان مطالب الحركة مشروعة ومعقولة، فحاول بذلك ان يقف في منزلة بين المنزلتين لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء فخطب بذلك ود الجميع. واذا ما تتبعنا مواقفه من كثير من القضايا سيتبين لنا بان الدكتور واتباعه قاموا بمجموعة من المراجعات الفكرية يمكننا فيما يلي تسليط الضوء على بعضها. ففي سابقة هي الاولى من نوعها دعا الدكتور المغراوي الشعب المغربي الى التسجيل في اللوائح الانتخابية وذلك للتمكن-حسب بيان موقع باسمه- من الادلاء برايهم حول التعديلات الدستورية معتبرا اياه من باب الشهادة التي لا يجوز كتمانها.ولكن فيما يبدو فالدعوة موجهة بالدرجة الاولى الى اتباعه من رواد دور القران والمتعاطفين معه ،الا ان التساؤل الذي يطرح نفسه الان وبالحاح هو اين كان الدكتور طيلة السنوات الماضية عن الدعوة الى هذه الشهادة؟وهاهو الدستور الجديد قد خرج الى الوجود بشكله النهائي ولحد الساعة لم يصدر عن الدكتور موقف بالتاييد او المعارضة. وفيما يتعلق بالاشكال الاحتجاجية فقد خرج اتباع الدكتور المغراوي في بني ملالومراكش في مسيرات احتجاجية مطالبين بفتح دور القران وهو شكل لم يعتد اتباع الشيخ سلوكه بل كان محط انتقادهم لسنوات طويلة باعتباره من البدع المستحدثة التي ما انزل الله بها من سلطان. وبخصوص مواقفه من الحركة الاسلامية المغربية(خاصة العدل والاحسان) فقد عرفت نوعا من اللين والمرونة عكس ماكانت عليه من ذي قبل اذ كانت تتسم بالغلظة والجفاء ويظهر هذا من خلال المصطلحات الجديدة التي استخذمها الشيخ اثناء الحديث عنها. تبقى مسالة اخرى في غاية الاهمية الا وهي المشاركة في المناقشات السياسية، فمن المعلوم عنه انه من الذين يرفعون شعار "من السياسة ترك السياسة"فلا يشارك في المطارحات السياسية او يساهم فيها ولكن يبدو ان الشيخ قد اختط لنفسه هذه المرة طريقا اخر من خلال مشاركته في العديد من المناقشات مثل المشاركة في ندوة "سؤال الهوية الإسلامية في ظل التحولات السياسية"بالقنيطرة الى جانب الاستاذ الحبيب الشوباني عضو الامانة العامة لحزب العدالة والتنمية، المنظمة من طرف منظمة التجديد الطلابي التابعة لحركة التوحيد والاصلاح ،وكذلك مشاركته في مهرجان خطابي بمدينة الصويرة تحت اشراف المفتشية الاقليمية لحزب الاستقلال، والتي كانت تحت عنوان "دور الشباب في اصلاح وتطوير المجتمع"وبحضور المفتش الاقليمي للحزب عبد القادر العدلوي. هذه المشاركات وغيرها تفيد ان العقل السلفي بدأ يتغير ويتاثر بما يجري حوله الامر الذي جعله يعيد النظر في آلياته ووسائله التي يشتغل بها. من خلال ما سبق يتجلى لنا ان بعض الاحزاب(خاصة العدالة والتنمية والاستقلال) ولت وجهها شطر الشيخ المغراوي تتقرب منه حتى ينالها رضاه وبالتالي الحصول على اصوات اتباعه الكثيرة خاصة وان الدكتور قد صرح فيما سبق بانه واتباعه سيدعمون باصواتهم الحزب الذي يدافع عن الاسلام خلال الانتخابات المقبلة ولاشك ان المقصود بكلامه-والله تعالى اعلم-حزب العدالة والتنمية نظرا للعلاقات التي تربطه ببعض اطره خاصة على مستوى مدينة مراكش،فالكاتب الجهوي للحزب هو احد طلبته السابقين في كلية اللغة بمراكش وكان من بين الذين استقبلوه بالمطار عند عودته. هذه مجرد تخمينات وافتراضات قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة ولكن المقبل من الايام لاشك انه يخبئ لنا الكثير من المفاجئات. وفي الاخير لا يسعنا الا ان نشيد بالجهود التي تبذلها دور القران التابعة للشيخ المغراوي في تاطير الشباب وحمايتهم من الانحراف والتطرف بكافة اشكاله، وتعليمهم كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة و السلام الامر الذي يجعل اعادة فتحها مطلبا ملحا خاصة ونحن مقبلون على شهر القران حتى تستعيد دورها الطلائعي.