عسكريون أمريكيون: تزود المغرب بمروحيات "الأباتشي" يردع الإرهاب    الإصلاح يتواصل بمراكز الاستثمار    المغرب ينتقي شركات للهيدروجين الأخضر    عملية رمضان 1446.. توزيع 1456 حصة غذائية في مدينة شفشاون    الحزب الاشتراكي الموحد فرع تمارة يحيي اليوم الأممي للمرأة 8 مارس    استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر.. حالة من الهوس المرضي الذي يعاني منه النظام الجزائري تجاه المغرب    المنتخب النسوي بالرتبة 60 عالميا    مأساة الطفلة ملاك.. بالوعة قاتلة تُعيد فتح ملف الإهمال بالمغرب    بعد محاولات إنقاذ صعبة لساعات... السلطات تعثر على طفلة ابتلعتها قناة للصرف الصحي ببركان    حزم أمني ضد مروجي المفرقعات بطنجة.. مداهمات وتوقيفات في الأفق    رسميًا.. إعلان موعد إقامة بطولة كأس العرب 2025    بوريطة يؤكد أهمية تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب ودول مجلس التعاون في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية    أمن طنجة يحبط محاولة تهريب أزيد من خمسة أطنان من المخدرات بضواحي مولاي بوسلهام    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الخميس    أسعار الخضر تواصل الارتفاع في شهر رمضان.. الفلفل يتجاوز 16 درهما والطماطم تستقر في 10 دراهم    حملة مراقبة تغلق محلَّات تجارية في شفشاون وتحجز حجز مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك    المغرب يستضيف دوري دولي في "الفوتسال" بمشاركة أربع منتخبات    "القسام" تلتزم باتفاق وقف الحرب    وكالة بيت مال القدس تواصل توزيع حصص الدعم الغذائي على أهالي القدس بمناسبة شهر رمضان    سلسلة 'صلاح وفاتي' تتصدر المشهد على القناة الأولى وتحقق رقما قياسيا في نسبة المشاهدة    ممثل البنك الأوروبي للاستثمار يشيد بالتقدم الملحوظ للمغرب تحت قيادة جلالة الملك    مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا    بايتاس: 12 ألف منصب شغل مرتقب في منطقة التسريع الصناعي ببن جرير    الفنان ابراهيم الأبيض يطل علينا باغنية "أسعد الأيام" في رمضان    مرصد: مؤسسات الإيواء السياحي المصنفة بالمملكة تسجل 2,04 مليون ليلة مبيت    بايتاس يطمئن المغاربة بشأن مراقبة المواد الأساسية ويؤكد على الوفرة في المنتجات    على عتبة التسعين.. رحلة مع الشيخ عبد الرحمن الملحوني في دروب الحياة والثقافة والفن -06-    السلطات تمنع تنقل جماهير اتحاد طنجة نحو فاس لمؤازرة فريقها أمام "الماص"    مانشستر يونايتد يدخل التنافس على خدمات نايف أكرد    قمة الدول العربية الطارئة: ريادة مغربية واندحار جزائري    جون ماري لوكليزيو.. في دواعي اللقاء المفترض بين الأدب والأنثربولوجيا    فصل تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان    تساقطات ثلجية وزخات مطرية قوية مرتقبة اليوم الخميس بعدد من مناطق المملكة    شركة لإيلون ماسك تفاوض المغرب لتوفير الإنترنت عبر الأقمار الصناعية في الصحراء المغربية    الملك يهنئ رئيس غانا بالعيد الوطني    الكاف: إبراهيم دياز السلاح الفتاك لأسود الأطلس وريال مدريد!    الأداء السلبي ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    قصص رمضانية...قصة الصبر على البلاء (فيديو)    سكينة درابيل: يجذبني عشق المسرح    توقعات نشاط قطاع البناء بالمغرب    السمنة تهدد صحة المغاربة .. أرقام مقلقة ودعوات إلى إجراءات عاجلة    "مرجع ثقافي يصعب تعويضه".. وفاة ابن تطوان الأستاذ مالك بنونة    الفاتنة شريفة وابن السرّاج    السعودية تدعم مغربية الصحراء وتعتبر مبادرة الحكم الذاتي حلا وحيدا لهذا النزاع الإقليمي    كأس العرب قطر 2025 في فاتح ديسمبر    خبير يدعو إلى ضرورة أخذ الفئات المستهدفة للتلقيح تجنبا لعودة "بوحمرون"    تقارير تنفي اعتزال اللاعب المغربي زياش دوليا    بريظ: تسليم مروحيات أباتشي يشكل نقلة نوعية في مسار تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة    اليابان.. قتيل وجريحان في انفجار بمصنع لقطع غيار السيارات    قمة أوروبية طارئة بمشاركة زيلينسكي على ضوء تغير الموقف الأمريكي بشأن أوكرانيا    الأمم المتحدة تحذر من قمع منهجي لنشطاء حقوق الإنسان في الجزائر    وزارة الصحة : تسجيل انخفاض متواصل في حالات الإصابة ببوحمرون    عمرو خالد: 3 أمراض قلبية تمنع الهداية.. و3 صفات لرفقة النبي بالجنة    مسؤول يفسر أسباب انخفاض حالات الإصابة بفيروس الحصبة    مكملات غذائية تسبب أضرارًا صحية خطيرة: تحذير من الغرسنية الصمغية    عمرو خالد يكشف "ثلاثية الحماية" من خداع النفس لبلوغ الطمأنينة الروحية    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقييم عام حول موسم طانطان الثقافي
نشر في صحراء بريس يوم 02 - 06 - 2015

/ إطار تجمع الكرامة للمعطلين بطانطان
إنتهت الخمسة أيام المبرمجة لتنظيم الموسم الثقافي بمدينة طانطان، الذي شكل إحدى روائع التراث الإنساني، أي أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة المعروفة إختصارا باليونسكو (UNESCO) بوأت هذا التراث الصحراوي الشفهي اللامادي مكانة مرموقة ليس فقط محليا وإنما دوليا، وهو ما عملت وجوبا على دعوة القيمين على إعادة تنظيم هذا الموسم الديني والتاريخي بالتقيد بمجموعة من التوصيات، تصب بمجملها في خدمة التنمية والثقافة الشعبية الصحراوية العالمة، وهو ما لم يتم العمل على تنفيذه إطلاقا إلى حد اليوم !
وكمحاولة أكاديمية لصياغة "تقييم موضوعي وعلمي" حول النسخة الحادي عشر من الموسم الثقافي لمدينة طانطان، سنحاول مقاربة هذا الموضوع وفق الإشكال الآتي:
* ماهي المحصلة النهائية لهذا الموسم على البنيات الإقتصادية والثقافية والقيمية بمدينة طانطان ؟
* ماهي الحلول المقترحة لتجاوز الوضعية الحالية "المأساوية" بإقليم طانطان ؟
لمقاربة هذا الموضوع بشكل أكاديمي، أي عبر وضع مسافة مع الموضوع عبر إخراج الذاتية من التأثير على الموضوع المدروس، نجد أنفسنا ملزمين بالتقيد بالأدوات الإجرائية المنهجية، التي تفرض على الباحث التسلح بالعدة العلمية، وهو ما نشير من هذا المنبر أنه موضوع يبقى رهانا مطروحا على السادة الباحثين الأكاديميين من أبناء المنطقة، لمقاربة وتعميق البحث العلمي حول هذا الموضوع من مختلف أبعاده الثقافية والإجتماعية والسياسية.. بل والقيمية.
إلا أننا سنعمل من خلال مقالنا هذا، قدر الإمكان على مقاربة الموضوع في قراءة أولية تحليلية، تروم الإجابة على التساؤلين السالفين، وهو ما سنعتمد فيه بالأساس على محضر "المقابلات الشفوية" مع مجموعة كبيرة من ساكنة الإقليم، عبرت بشكل تلقائي لنا، في ما يمكن نعته منهجيا بالمقابلات "التحقيقية الخفية"، أضف إلى ذلك حضورنا الميداني المعاين لمختلف أطوار هذا الملتقى الثقافي.
1. حصيلة الموسم على البنية الإقتصادية والثقافية والقيمية بمدينة طانطان:
1.1: البنيات الإقتصادية:
رغم أننا لسنا بخبراء إقتصاديين، إلا أننا سنتوصل بقراءة عميقة حول حسنات هذا الموسم، وأولها وأبرزها معطى ترويج المستوى التجاري بالإقليم، حيث نسجل هنا بشكل موضوعي مساهمته في تحريك عجلة الرواج التجاري بالمدينة بدءا من سائقي سيارات الأجرة مرورا بالفنادق ووصولا للتجار الوافدين من شمال المغرب، وهو ما يعبر أيما تعبير عن القدرة الهائلة للدولة مركزيا على ضخ التنمية الحقيقية، ولو كما شاهدنا في بضعة أيام خاطفة كالبرق. وهي إشارة سياسية بليغة توضح حجم "العقاب الجماعي" الذي لا تزال ترزح تحت نيره حاضرة طانطان.
أما على مستوى تنزيل "تنمية حقيقية" تمس في العمق أنساق البنية الإقتصادية لإقليم طانطان، من خلال تمظهر واقعي وملموس لعائدات هذا الموسم الثقافي العالمي على مدينة طانطان، فالجواب للأسف الشديد بالنفي، وسنوضح ذلك لاحقا بالتفصيل.
إن مختلف القطاعات الأساسية بإقليم طانطان، ونعني بذلك "الشغل - الصحة - البنيات التحتية" لازالت تعيش وضعا "كارثيا" لا مجال لإعادة تفصيل وتوضيح معطياتها التي لم تعد تخفى على أحد.
وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل من هذا المنبر للسادة القيمين على تنظيم وإستغلال العائدات المادية لموسم طانطان، بالسؤال التالي: أين تذهب عائدات موسم طانطان مادامت لا تعود بتاتا بالنفع على أهم قطاعات محورية ومفصلية بإقليم طانطان !!!!!
1.2: البنية الثقافية:
بداية، بإختصار شديد تعود الإرهاصات الأولى الممهدة لظهور موسم طانطان لحيز الوجود على مستوى منطقة الصحراء بجانب مواسم ثقافية وازنة لا تقل شأنا كموسم وادنون.. إلى سنة 1956م بمنطقة "أم الشكاك" بمجال الساقية الحمراء وبالضبط غرب مدينة السمارة، حيث إجتمعت هناك القبائل الصحراوية حول القطب والشيخ "محمد لغظف" رحمه الله، للتشاور في الرد المناسب على خطوة الإدارة الإسبانية التي فرضت آنذاك ضريبة على الساكنة أطلقت عليها إسم "ضريبة الترتيب"، وبذلك فقد شكل ملتقى منطقة "أم الشكاك" لحظة تاريخية مصبوغة بنفحات تدينية، تبلور من خلالها قبائل الصحراء قناعاتها الثقافية والسياسية والإعتقادية..
وفي سنة 1960م وافى الأجل الشيخ "محمد لغظف" ليوارى الثرى بمدينة طانطان في قمة أحد جبالها المحيطة بالمدينة، حيث بنيت حول مرقده قبة وشكل مزارا للقبائل الصحراوية بل وللوافدين من مختلف المدن، وهو ما سيتولد عنه ميدانيا تنظيم أول موسم ديني وثقافي بكل ما تحمل الكلمة من معنى بحاضرة طانطان سنة 1963م، بجوار مرقد هذا الولي الصالح رحمه الله، في صورة راقية حجت له القوافل التجارية من مختلف الدول المجاورة، توضح معالم الولاية والصلاح وتمظهرات معجم المقدس لدى المجتمع الصحراوي.
وإستمر الموسم كل سنة منذ 1963م حتى جاءت سنوات السبعينات مع تشكل جبهة البوليساريو، وهو ما نوثقه من خلال مشاركة مؤسسها نفسه "الوالي مصطفى السيد" سنة 1973م في تظاهرة سياسية نظمها من عمق هذا الملتقى الثقافي، جوبهت بالقمع الأمني الشديد، حيث يجمع بعض من حضروها أن الطريقة العنيفة والحاطة للكرامة في تفكيكها إحدى أهم أسباب تكون القواعد الخلفية لجبهة البوليساريو..
لقد تفطنت جبهة البوليساريو منذ البدايات الأولى لتأسيسها للدور العميق لموسم "الشيخ محمد لغظف" الذي تم محورته نحو تسمية "موسم طانطان،" مما حدى بها إلى إستهدافه عسكريا وهو الأمر الذي أفضى إلى توقفه لسنوات بفعل مدافع الحرب الطاحنة أنذاك بالمنطقة.
لتأتي سنة 2004م والتي شكلت إعادة ضخ الدماء في شرايين موسم طانطان، وهو ما شكل للساكنة المحلية بل وللقبائل الصحراوية رحلا ومستقرين نفسا جديدا، بل وأملا في عودة الحياة البيظانية بكل تجلياتها، من صلة للأرحام وإبراز الثقافة الشعبية الصحراوية خاصة "الشعر والخيمة والجمل"، فتنفس الجميع الصعداء عندما دوى سنة 2005م خبر تبوأ موسم طانطان مصاف "روائع الموروث الثقافي الشفهي اللامادي الإنساني"، لتتوالى النسخ بعد الأخرى وفق مشاركة قوية للعنصر البشري المحلي أو الوافد، متوسلين بذلك تغيير الواقع التنموي المهترئ بإقليم طانطان، وهو ما لم يتحقق للأسف، حيث بات الموسم مجرد أداة سياسية بيد المركز، وبقرة حلوب للقيمين على إنجاحه محليا.
وهو ما سينعكس سلبا على مستوى الدرجة العالمية التي بلغها هذا الموسم، حيث لم يفي القيمون على تسيير وتنظيم هذا الملتقى الثقافي السنوي بتوصيات منظمة اليونيسكو التي طالبت بضرورة تنفيدها، عبر خلق متحف ثقافي بمعايير دولية وغيرها من النقط التي إقترحتها.. مما يطرح هنا السؤال المؤرق: هل بات موسم طانطان ورقة محروقة ومتجاوزة بالنسبة للسلطات المركزية ؟
لقد إنعكست سلبا "طريقة تسيير" موسم طانطان في نسخته 11 على الثقافة الشعبية الصحراوية المحلية برمتها، وهذا أخطر شيء على الإطلاق، حيث تم "تغييب" سبل حمايتها من عوامل "الضياع والإندثار" عبر ما دعا له الباحثين الأكاديميين المتخصصين في هذا الجانب التراثي، من ضرورة "جعلها قاعدة أساسية للتنمية البشرية والثقافية المنشودة"، وهو مرة أخرى ما لم نلمسه ميدانيا، حيث لم تستثمر هذه الثقافة العالمة إلا فلكلوريا وواجهاتيا.
1.3: البنية القيمية:
بإقتضاب شديد، منظومة القيم التي يحملها موسم "الشيخ محمد لغظف" في العمق كدلالات وقيم إعتقادية من قبيل "الصلاح والولاية وتجليات مفاهيم المعجم التصوفي، وأخرى أخلاقية وجمالية وكذا روحانية.." بدأت تعرف بهكذا تسيير شعاراتي وواجهاتي ضربا يهدها ويستهدفها في العمق، وهو ما إنفجر مؤخرا في النسخة الأخيرة في شكل فضائح أخلاقية لا علاقة لها بالقيم الإنسانية النبيلة عامة، فما بالك بالثقافة الصحراوية العالمة !
2. الحلول المقترحة:
وفق إستقراء علمي، لا نرى أي خلاص مستقبلا من الوضع الفلكلوري الحالي المبني على تنمية الواجهة، من دون إستحضار العنصر البشري المحلي المغيب بل و"المحتقر" !!!!، إنطلاقا من خلق "تنمية ثقافية حقيقية" تكرم الثقافة والتراث الشعبي الصحراوي، وتقعد لآليات صونه وتدوينه وجعله إحدى أهم مرتكزات التطور والتقدم المنشودين.
كما نلفت الإنتباه بقوة إلى توصيات منظمة اليونيسكو بإعتبارها هيئة دولية متخصصة، وهو ما ينبغي على المشرفين على هذا الملتقى الثقافي السنوي العمل على تطبيقه وتنزيلة واقعيا.
على سبيل التركيب:
في كلمة، كنتيجة جد طبيعية وحتمية منطلقها المحورة الخاطئة لموسم طانطان الثقافي، من خلال إقصاء ممنهج لعائداته المادية والمعنوية على العنصر التنموي والبشري والثقافي لإقليم طانطان، فإن الرهان عليه وفق هذه المعطيات يبقى خاطئا و "فاشلا"، ما لم تغير الجهات الوصية مركزيا منهجية تسييرها التقليداني والميكيافيلي، بما ينعكس تنمويا وواقعيا على مستوى البنيات المتحكمة في المجتمع الصحراوي عامة وساكنة إقليم طانطان خاصة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.