بقلم : ذ.مولاي نصر الله البوعيشي التأم يوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2014 بقصر المؤتمرات بالعيون الحوار الجهوي حول تأهيل منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي" تحت اشرف المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بحضور السيد والي جهة العيون بوجدور الساقية الحمراء ومدير الاكاديمية والنواب الاقليميون لوزارة التربية الوطنية والمنتخبون و بعض ممثلي هيئات المجتمع المدني و وممثلو مختلف هيئات المنظومة التربية والتكوين والتعليم العالي بالجهة وممثلو الطلبة و والتلاميذ و المندوبون الإقليميون لبعض القطاعات و مشاركون من عالم و الثقافة و الصحافة. وفي كلمته التقديمية للمجلس أوضح احد أعضائه أن المجلس يهدف من تنظيم هذا الحوار تقاسم التشخيصات و الاستماعات و الاستشارات التي انتهت إليها أعماله ، و إشراك أكبر عدد ممكن من الفاعلين التربويين و شركاء المنظومة التربوية و مختلف مكونات المجتمع المدني في التفكير الجماعي من أجل الارتقاء بهذه المنظومة و بلورة خارطة طريق تستند إلى التعبئة التشاركية حول مشروع تحديد دعامات التغيير الأساسية كما ، اعتبر المتدخل ان خلاصات التشاور التي يجب ان تركز على الجوانب الاستشرافية والمقترحات المستقبلية للإصلاحات التربوية، ستشكل أحد المصادر الأساسية لإعداد التقرير الاستراتيجي للمجلس حول الإصلاح الشامل للمنظومة التربوية والرفع من جودتها. وقد استمرت أشغال هذا "الحوار" من العاشرة صباحا الى غاية الثامنة مساء. وبعد عروض المجلس التي تمحورت حول تشخيص الوضعية واستشراف المستقبل، فتح باب المناقشة التي عرفت اكثر من 80 مداخلة تناول بعضها التشخيص فيما انصب بعضها الأخر على اقتراح الحلول . وهذا بعض ما جاء في المداخلات التي كانت كثيرة وغنية وقيمة تميزت كذلك بتدخل كل من السيد الوالي والسيد رئيس الجهة وبعض البرلمانيين : ضعف التعبئة والالتفاف حول المدرسة العمومية . غياب الجودة على مستوى البرامج والمناهج والكتب المدرسية. عدم التحكم في اللغات بما فيها اللغة العربية وما تشكله اللغة من عائق حقيقي أمام تسهيل الانتقال من الثانوي إلى الجامعة أو إلى المعاهد العليا ( التلاميذ مطالبون من جديد بالانتظام في دروس اللغات ان هم رغبوا في متابعة دراستهم العليا. سواء داخل المغرب او خارجه ). المدارس والمعاهد مفتوحة فقط في وجوه أبناء المدارس الخصوصية والبعثات الاجنبية. عدم مصداقية الامتحانات الإشهادية . غياب الآليات والشروط والإمكانيات التي تتيح التلميذ المغربي اختيار التخصص الذي يناسب إمكانيته وميولاته وطموحه . تنامي ظاهرة العنف بأنواعه في الوسط المدرسي وتفشي مظاهر الانحراف في محيط المدرسة . غياب برامج عملية للدعم والتقوية والمآزرة للتلاميذ المتعثرين و غياب الدعم الكافي لذوي الاحتياجات الخاصة والفقراء . غياب التأطير والمصاحبة والتتبع والمراقبة والمحاسبة في جميع المجالات الإدارية والتربوية والمالية . غياب التكوين المستمر الجيد و ضعف التكوين الموسمي و غيابهما لفائدة فئات كثيرة من نساء ورجال التعليم . استيراد بيداغوجيات لا تراعي حاجيات الطفل المغربي وميولاته الفكرية والفنية والإبداعية . التمادي في سياسة الخوصصة من خلال تفويت قطاع التعليم للخواص للاستثمار فيه، وتشجيع التعليم الخصوصي و تفويت التعليم الأولي بشكل تدريجي للخواص و الذين يغلبون هاجس الربح والخسارة على الهاجس التربوي . عدم إشراك الفاعلين التربويين والشركاء الفعليين في صياغة أي مشروع من مشاريع الإصلاح. اتخاذ قرارات عشوائية لا تراعي خلق الظروف التربوية المناسبة ( الأقسام المشتركة - الضم- الخصاص- الاكتظاظ -إعادة الانتشار - الاغلاق – التحويل -....) انعدام تكافؤ الفرص بين الطلبة المترشحين للالتحاق بالمدارس العليا أو بمعاهد ومدارس ومراكز التكوين بسبب ترجيح كفة ذوي الإمكانيات المادية علما بان للساعات الخصوصية ولنقط المراقبة المستمرة - غير الموضوعية في اغلب الاحيان - دور أساسي في تحديد معدلات القبول . تهميش الثقافة المحلية بسبب غياب البرامج التعليمية الجهوية . تعدد وتشعب مهام الادارة التربوية خصوصا في سلك التعليم الابتدائي في غياب مساعدين اداريين . الوضعية الادارية والاجتماعية للموارد البشرية العاملة بالقطاع (غياب التحفيز- الوضع الاجتماعي- الترقية – الحركة الانتقالية .......) عدم تفعيل ادوار مجالس المؤسسة وتعددها وتضارب وتنازع اختصاصاتها و عدم إشراكها أو استشارتها ( تحديد الحاجيات - اختيار المقررات التي يمكن أن تناسب التلاميذ بمنطقتهم....)، حيث تتخذ القرارات دون استشارتها. أما جل المقترحات فقد انصبت على : إرساء نظام تربوي يتوافق مع خصوصية المغرب ويحترم تنوعه الثقافي و اختيار المقاربة البيداغوجية الأصلح لنظامنا التعليمي وإخضاعها للتجريب الكافي ،وفي بيئات مختلفة ،قبل تعميم تطبيقها ،عوض استيراد بيداغوجيات أجنبية منتهية الصلاحية . اعادة النظر في نظام الامتحانات بما في ذلك نظام الباكالوريا الذي فقد مصداقيته وما يسمى ب"المراقبة المستمرة" التي تحولت إلى وسيلة لابتزاز التلاميذ وأسرهم! وضع نظام نهائي وقار للترقية متوافق بشأنه مع الممثلين الحقيقيين لنساء ورجال التعليم تسمح بالترقي بناء على الاستحقاق و ليس على الزبونية و المحسوبية و الحظ و الاعتباطية و وضع حد لمهزلة نظام الامتحانات المهنية والترقي بالإختيار الجاري بهما العمل حاليا. والتفكير جديا في أساليب جديدة واقعية وموضوعية للترقي تكفل التنافس الحقيقي والشريف على المناصب. إيجاد حل للمسألة اللغوية بما ينسجم و الهوية المغربية المتنوعة الأبعاد و التخلص من الهيمنة الثقافية الفرنكفونية و الانفتاح على الانجليزية و اليابانية و الصينية والألمانية على قدر المساواة مع الفرنسية التي باتت متجاوزة حاليا بفعل نظام العولمة. رفع الموانع المقيدة لحق نساء ورجال التعليم في متابعة دراستهم الجامعية حيث إن مهنتهم تستوجب تجديد الأفكار و المواكبة المعرفية ، واستكمال التكوين في غياب التكوين الرسمي الحقيقي.( لا أظن ان هناك في الدنيا دولة تمنع مواطنيها من ان يزدادوا علما ومعرفة . هذا علما بانه بالإضافة الى كون التعليم حق إنساني فهو حق دستوري وقرار منعه او وضع شروط تعجيزية للولوج اليه يتنافى مع مباديء دستور المملكة . ...) ضمان فرص حقيقية للتعلم بالتعليم العمومي بالشروط نفسها المتوفرة بالتعليم الخاص . وقف الهرولة نحو تحرير التعليم الخصوصي ووضع حد للامتيازات الكثيرة التي أنعمت بها الدولة على المستثمرين في قطاع التعليم الخصوصي من إعفاءات ضريبية و من مساحات أرضية باثمنة رمزية مقابل إهمال التعليم الهمومي (عفوا العمومي ). تثمين دور القطاع الخصوصي وضمان جودته عبر تطوير دفاتر التحملات واستقلاله بموارده البشرية عن التعليم العمومي ليكون مجالا للتشغيل وضامنا لحقوق العاملين فيه و وضع حد للهدر المدرسي الذي لازالت نسبته مرتفعة حيث يغادر المدرسة سنويا عشرات الآلاف من التلاميذ التدريس بالتخصصات بالتعليم الابتدائي لتخفيف العبء عن كاهل الأستاذ المطالب بتحضير وتدريس وتقويم أكثر من مادة. إعادة النظر جملة وتفصيلا في مراكز التكوين ( البرامج والمناهج – مواصفات المكونين- المدة الزمنية للتكوين...) وضع معايير شفافة للحركة الانتقالية لضمان استقرار نساء ورجال التعليم . اعادة النظر في البرامج والمناهج وفق منهجية متفق عليها مع جميع المتدخلين . محاربة الفساد عبر أجرأة المساطر القانونية بإحالتها على القضاء ومحاسبة المتورطين على درجات مسؤولياتهم التنظيمية تفعيلا لروح الدستور الجديد “المسؤولية والمحاسبة." احترام خصوصيات الجهات ورد الاعتبار للثقافة المحلية في البرامج والمناهج وفي الأنشطة الموازية اعادة النظر في المذكرات المنظمة للزمن المدرسي . رد الاعتبار لنساء ورجال التعليم . خلاصة القول تعاني المنظومة التربوية المغربية اليوم من مجموعة أمراض مجتمعية خطيرة تتجلى في اهتزاز الثقة في المدرسة ، و تدني سمعة المدرس ، داخل المجتمع ، وارتفاع معدل التسرب من المدرسة ، و اللامبالاة، والتسيب ، والعنف المتبادل، والبطء والروتين والتسلسل الإداري المميت ، وتفشي مظاهر الفساد من نهب للمال العام ومن رشوة و محسوبية وزبونية ... ، إلى جانب العزوف عن الدراسة والتثقيف من قبل المتعلمين وكرههم الشديد للمدرسة ، وانتشار الأمية و تنامي ظاهرة البطالة والعطالة المستمرة بسبب عدم استجابة النظام التعليمي للحاجات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للمجتمع وهجرة كثير من الأدمغة التي بذلت من أجلها المال والجهد، والتأثير السلبي لتعميم التعليم الذي اتخذ بعدا كميا وعدديا على حساب الكيف/ الجودة . إن هذه الأزمة الخانقة ليست وليدة اليوم، بل هي نتاج للسياسات التعليمية اللاشعبية واللاوطنية وللمقاربات الإصلاحية(حوالي 29 إصلاح أو محاولة إصلاح كلي أو جزئي) المرتجلة و المتعاقبة المهووسة بالبحث عن مسكنات لهفوات في البنية التعليمية ، تفتقر الى المخططات العملية ، ولا تراعي الإمكانات المادية والبشرية وتتجاهل كل ما هو جوهري ، وهو ما يعكس تخبط المنظومة التعليمية تاريخيا في سياسة الترقيع وترقيع المرقع .... في ظل هذه الوضعية ، هل باستطاعة المجلس الأعلى للتعليم في طبعته الجديدة أن يحل عقدة التعليم ويفك خيوطها المتشابكة ؟؟ فهل سيكون بإمكان المجلس الأعلى مقاومة أملاءات مؤسسات القروض الدولية ، ودسائس لوبيات الفساد بالداخل؟ و يأخذ بالآراء والأفكار والمقترحات و الإرادات المغربية الصادقة لوضع مخطط استراتيجي جذري –وليس استعجالي متسرع– لإصلاح التعليم ومراجعة المنظومة ككل ؟؟ وهل سيبحث المجلس في الأسباب الحقيقية التي ساهمت في إفشال محاولات الإصلاح ،التي طالت المنظومة التربوية ؟ أم أن الأمر سيظل على ما هو عليه ، ويتحول الإصلاح إلى رسائل موجهة بالأساس للاستهلاك الخارجي ولتلميع الصورة بعد العار الذي الحقته بنا التقارير الدولية ؟؟ وهل سيقتصر النهوض بقطاع التربية والتعليم باعتباره مشروعا مجتمعيا تنمويا ذا إبعاد عقدية فكرية اقتصادية سياسية وثقافية إعلامية اجتماعية وعلمية تكنولوجية ، على الشكليات والقشور كما كانت العادة دائما ؟؟؟ أم أن النهوض بهذا المشروع الحضاري سينطلق من مبادئ الأمة وثوابتها الذاتية، ومن مقومات هويتها الحضارية ؟؟؟