تكشف التقارير والتحريات أنّ ملاحقة موقع "ويكليكس" بات أمرا معقدا، فالموقع المتخصّص في تسريب الوثائق السريّة يوظف التكنولوجيا الحديثة والقضاء للإفلات من مطارديه، كما أنه يستخدم محوّلات خدمات servers متعددة حول العالم وكل منها يخضع للنظام القضائي السائد في الدولة التي يوجد فيها. لندن: الوثائق التي تطفو على سطح موقع التسريبات الإلكتروني «ويكيليكس» إما مصنفة «سريّة» أو محمية بقانون حقوق الملكية الفكرية الذي تحمله الدول المتحضّرة على محمل الجد وتُنزل على منتهكيه أشد أنواع العقاب. ولهذا يحق لأصحاب تلك الوثائق إزاحتها من موقع مثل ويكيليكس. لكن الأمر هنا معقد بعض الشيء لأن هذا الموقع يوظف التكنولوجيا الحديثة والقضاء نفسه للإفلات من مطارديه. فهو يستخدم محوّلات خدمات servers متعددة حول العالم وكل منها يخضع للنظام القضائي السائد في الرقعة الموجود عليها. بالإضافة إلى أن هذه المحولات لا تحتفظ بسجلات الوثائق داخلها بحيث يصبح الاستيلاء عليها غير متاح مطلقا. حصانة تكنولوجية وقضائية وفقا لتقارير صحافية الأربعاء، يقول «وجه» الموقع، الصحافي الاسترالي جوليان أسانج، إنهم يوظفون آخر ما توصلت إليه تكنولوجيا التشفير لنقل المعلومات بحوزتهم من مكان لآخر عبر الإنترنت وبحيث لا تخلّف آثارا وراءها يمكن تعقبها. وكان أسانج قد أعلن في مؤتمر صحافي عقده في يوليو / تموز الماضي إن الموقع يمرر وثائقه عبر دول توفر حماية قانونية منيعة نسبيا للجهات التي تسرب الوثائق الرسمية مثل السويد وآيسلندا وبلجيكا. وهكذا فإن «تركيبة» ويكيليكس نفسه تحيل تمكن الحكومات وغيرها من المؤسسات والمصادر الأخرى التي يسبب لها تسريب وثائقها حرجا عظيما على الأقل، من مقاضاته وإجباره على إرجاع وثائقه و/أو وقف تسريباته مهمة مستحيلة عملياً. دور «بي آر كيو» أقرت PRQ «بي آر كيو»، وهي شركة سويدية مضيِّفة على الإنترنت وترتبط بموقع تقاسم الملفات Pirate Bay، بأنها توفر لويكيليكس مساحة كبيرة في أحد محولات خدماتها في إحدى ضواحي العاصمة ستوكهولم. وقال مالك الشركة، ميكائيل فيبورغ، إن السلطات السويدية تحيط علما بمواقع محوّلاتها لكنها لم تحرك ساكنا لإغلاق أي منها. ولهذا فثمة اعتقاد أن هذه الشركة هي «المقر الإلكتروني العام» لويكيليكس. وتزعم تقارير صحافية عديدة أخرى أن بعض محوّلات ويكيليكس توجد في مخبأ نووي من أيام الحرب الباردة حُفر بعمق 30 مترا تحت تلة صخرية في أطراف ستوكهولم. ويذكر أنه بعدما سرب الموقع وثائقه النارية المتعلقة بالعراق، اتضح أنه يتخذ له عددا من محولات الخدمة داخل الولاياتالمتحدة نفسها، في ما يراه المراقبون محاولة متعمدة للسخرية من وزارة الدفاع والسلطات الأميركية. وثائق العراق وأفغانستان وكان ويكيليكس قد سرب في يوليو الماضي 92 ألف وثيقة سرية تتعلق بحرب أفغانستان وتكشف النقاب عن عدة أمور من قبيل أنّ الاستخبارات الباكستانية تتعاون مع طالبان، وحجم الخسائر المدنية الحقيقي. وقبل أسابيع قليلة سرّب قرابة 400 ألف وثيقة تتعلق بحرب العراق في ما يعتبر أكبر عملية صحافية من هذا النوع في العالم. وكان أهم ما رفعت نقابه الوثائق هذه، تورط الجيش والشرطة العراقيين نفسيهما في عمليات التعذيب التي غضت القوات الأميركية البصر عنها. كما كشفت أيضا تورط نظام الملالي الإيراني في تحركات الشيعة القتالية. وتبعا للمراقبين، فمن الجلي أن وثائق العراق توضح بجلاء إخفاق الإدارة الأميركية في وضع أي سياسة تعيد البلاد إلى الاستقرار بعد فوضى ما بعد صدام حسين خاصة في ما تعلق بانتهاك حقوق الإنسان على نطاق واسع وبمستوى مزر، والأمر نفسه ينطبق على أفغانستان. انتقادات حادة لكن ثمة دعوات في الإعلام الغربي الآن تطالب بالتساؤل حول «شرعية وأخلاقية» مقولة جوليان أسانج إن كل ما يفعله موقعه هو أنه «يكشف الحقيقة». ويقول الداعون لهذا إن ما يُسمى «حقيقة» ليس كذلك بالضرورة ويظل مشكوكا فيه إلى حين إثباته بالدليل الدامغ الملموس. وثانيا، تبعا لهؤلاء، فإن من شأن تسريب الوثائق تعريض حياة الجنود ومن يتعاون معهم للخطر. ويستشهد المنتقدون بأن منظمة «صحافيون بلا حدود» الداعية لحرية التعبير نفسها أدانت مبدأ التسريب نفسه باعتباره «خاليا تماما من الشعور بالمسؤولية». وكان الجنرال جيمس جونز، مستشار الأمن القومي الأميركي، قد قال في بيان له في يوليو بعد تسريبات أفغانستان: «هذا عمل يفتقر إلى المسؤولية ومن شأنه تهديد الأمن القومي الأميركي وأرواح الجنود الذين يخوضون الحرب الأفغانية وأرواح الأفغان والباكستانيين». ما هو؟ ويكيليكس، الذي يقول إنه جمع أكثر من 1.6 مليون وثيقة من تأسيسه في ديسمبر (كانون الأول) 2006، موقع هلامي يحيط نفسه بشيء من السرية والغموض. لكن يُعرف عنه أنه «منظمة دولية» تتخذ من السويد مقرا لها. وهو يتخصص فقط في كشف النقاب عن الوثائق والقرارات الحساسة الصادرة عن الحكومات أو المؤسسات والمنظمات ولا يمانع أيضا في نشر فضائح المشاهير والأثرياء الكبيرة. لكنه يحرص قبل كل شيء على سرية هويات مصادره. وتبعا للمعلومات المتوفرة فإن الموقع يدار من قبل وكالة الأنباء Sunshine Press «صنشاين بريس». ويرد عليه أنه تأسس على أيدي بعض المعارضين للنظام الصيني إضافة إلى عدد من الصحافيين والمشتغلين بعلم الرياضيات وخبراء التكنولوجيا من الولاياتالمتحدة وأوروبا وتايوان وأستراليا وجنوب أفريقيا، لكن وجهه المرئي هو جوليان أسانج.