من منطق "اذبح وأنا نسلخ" إلى منطق "بيننا المحاكم" عاد العقاب البدني ليحتل الواجهة على مستوى المؤسسات التعليمية،بعدما شهد انحسارا،جراء الارتداع الذي طال الأساتذة بمختلف الأسلاك التعليمية، سواء بسبب كثرة جرهم للمحاكم والكوميساريات..من طرف أولياء التلاميذ، أو بسبب العنف المعاكس و المضاد في حقهم من طرف التلاميذ أنفسهم..أو من طرف ذويهم داخل حرمات المؤسسات أو خارجها. وبالتالي انحسر العقاب البدني وحل محله شعار"اللي بغا يقرا يقرا..واللي مابغاش الله يعاونوا". سؤال العقاب البدني داخل المؤسسات أضحى يؤرق المهتمين التربويين، كما أضحى يؤرق السلطات الأمنية، بعدما اتخذ له تجليات مختلفة، من عنف "المعلم" في وقت سابق، على التلميذ إلى عنف التلميذ في حق التلميذ، إلى عنف التلميذ في حق الأستاذ..ما يحيلنا على سيرورة مخيفة لهذا الفعل منذ نشأة المؤسسات التعليمية... ارتبط العقاب البدني في المخيال الشعبي داخل المؤسسات التعليمية بشكل كبير، بالمدرسة الابتدائية وبالتالي بالمعلم...وكان كلما انفتحت المدرسة على محيطها الجغرافي، وكذا المحيط التربوي العام كلما برزت الظاهرة كفعل محرم لا بل كفعل مجرم قانونا بمواثيق محلية ودولية، وعلى أساسه تفاعل المسؤولون بقطاع التربية على مدى سنوات مع الظاهرة ومع المواثيق، فتم إصدار مذكرات وزارية تنظيمية منبهة من عواقب العقاب البدني الجسدية والنفسية بالمؤسسات التعليمية، هكذا صدرت بتاريخ28/11/1995 مذكرة تحت رقم197، تلتها بتاريخ 23/9/1999 مذكرة تحت رقم99/807، ثم بتاريخ 21/10/1999 مذكرة ثالثة تحت رقم92، لكن قبل تسليط الضوء، قليلا على السياق العام لظاهرة العقاب البدني داخل المدرسة، لا بد من استحضار العلاقة التي كانت قائمة لفترة طويلة بين الأسر والمدرسة وعلى وجه الخصوص المعلم، ومن منا يجادل في حقيقة المثل الشعبي، والذي كان حقيقة وسلوكا عاما "أنت اذبح وأنا نسلخ"على اعتبار أنها عبارة كانت لا تفارق فاه أي أب يجد نفسه أمام معلم ينبهه لسلوك الإبن إما الأخلاقي أو التعليمي، بل لعل العديد من الآباء والأمهات كانوا يتصلون بالمعلمين للشكوى من أبنائهم حتى من بعض الممارسات التي يأتونها بالبيت أو بالشارع، بل حتى الجيران وبعض عموم الناس عندما كانت تطالهم مشاغبات الأولاد أول ما يسألون عنه كان معلمهم ليس إلا لرفع الشكوى إليه، هو المعلم الكل في الكل، المدرس، والأب، والقاضي، والشرطي و,و,و,، وفي سياق هذا المعطى كان العقاب حلقة من حلقات المدرسة الابتدائية ، تبرز كلما أتى أحد التلاميذ فعلا مخلا بنظام القسم كما يراه المعلم، أو أتى فعلا مخلا بقانون التعلم من حيث إهمال الفروض أو حفظ الدروس، على أن مظاهر العقاب المدرسي كانت ذات بعدين، بعد بدني وبعد نفسي، مع كونهما معا كانا يتخذان مظاهر وتجليات متعددة،أما العقاب البدني موضوعنا فجاء في صيغة الفلقة بنوعيها، وهي تمديد التلميذ على الأرض ورفع رجليه إلى أعلى ثم الضرب على أسفل القدم أو إدخال القدم في فتحة قمطر الطاولة وكذلك الضرب على أسفل القدم، أو رفع التلميذ على مستوى حزام تلميذ آخر أكبر سنا وحجما ثم الضرب على أسفل القدم، وكان هناك الضرب على رحى اليد، والضرب على مقدمة أصابع اليد، ثم الضرب على الأصابع المتحدة، أي المجموعة في اتجاه الأعلى، وكان هناك عقاب بدني ارتبط كثيرا بالمعلمات وهو الضرب على مؤخرة التلميذ، على أن عقاب التلميذات كان أقل إيلاما. هكذا، ظلت هذه الأنواع من العقاب البدني جزءا من المنظومة المدرسية،وكانت شبه عادية بمدرسة الستينات وبداية السبعينات،وتدريجيا بدأت الأمور تتغير وبدأت الدراسات في مجال التربية تتوالى منبهة لخطورة العقاب البدني بالمدرسة، وتحولت المقولة "أنت اذبح وأنا نسلخ " إلى "إلى ضربتي ولدي أو بنتي ييننا المحاكم" وفعلا كم هي الشكايات التي توصلت بها المحاكم وأقسام الأمن والدرك ونيابات التعليم ضد أستاذات وأساتذة تتهم بضرب التلاميذ وإن كانت في انخفاض ملحوظ على اعتبار أن الكثير من الأساتذة لم يعودوا يكترثون لتلاميذهم هل أنجزوا التمارين المنزلية أم لا،هل حفظوا دروسهم أم لا؟؟ "من باب اللي خاف انجى" وبالمقابل بدأت وزارة التربية الوطنية تعتمد نتائج الدراسات المنجزة في حقل التربية، ومن ثمة تصدر المذكرات انسجاما أيضا مع انضمام المغرب إلى الإعلان العالمي لحقوق الطفل، وتكرس من خلال توقيع المغفور له الحسن الثاني على وثيقة مؤتمر القمة العالمي من أجل الطفل المنعقد بمقر الأممالمتحدة بنيويورك شهر شتنبر 1990. وإذا كان العقاب البدني الممارس على التلميذات والتلاميذ، بأشكاله النمطية القديمة أصبح من الماضي وإن ظهرت هنا وهناك بعض الحالات بين الفينة والأخرى، إلا أن العقاب البدني المستجد على مستوى المؤسسات التعليمية بمختلف أسلاكها والمتمثل في العنف ضد الأساتذة الممارس عليهم من طرف التلاميذ،وكذا العنف الممارس فيما بين التلاميذ على بعضهم البعض، جعل الظاهرة أكثر خطورة،وتستلزم استفاقة الجميع أباء،وجمعيات المجتمع المدني، وجمعيات الآباء،وأساتذة،وأطباء نفسانيين،وكل الفاعلين في حقل التربية و تكثيف،وتوحيد جهودهم لجعل الأطفال ينسجمون مع طرائق بديلة في التربية بعيدة عن العقاب البدني، من قبيل ترسيخ القيم والعادات الإيجابية، وتدريب الأبناء على الاعتدال والوسطية في التعامل، فتح حوار مع الطفل "التلميذ" بهدوء والطلب منه تفسيرا لأسباب إتيانه سلوكا ما، استخدام أسلوب وسطي عند التعامل مع التلميذ، لاشدة ولا تدليل زائد،غرس الثقة في نفوس الأطفال، مصادقة الأبناء، ومشاركة الآباء الفعالة في مجالس المدارس، زيارتها بين الحين والحين للإطلاع على سلوكيات أبنائهم، والمشاركة في إعداد لوائح العقاب المتبعة بالمدرسة في أفق توحيدها بين المدرسة والمنزل،الاهتمام بفترات النشاط المدرسي أو الحياة المدرسية من خلال تكثيف البرامج والأنشطة، والرحلات، وعلى الأساتذة ترك مشاكلهم الخاصة خارج المدرسة والقسم، الحرص على ضبط النفس عند التعامل مع بعض سلوكيات التلاميذ، خلق جو من التقارب بينهم وتلاميذهم، إظهار المحبة والعناية بالتلاميذ، الاستماع لهم ، الرد على أسئلتهم، عدم نهرهم، إعطاؤهم الفرصة الكاملة للتعبير، ومع هذا وذاك على الوزارة التفكير الجدي في تعيين باحتين اجتماعيين بكل مؤسسة تعليمية، للمعالجة الإستباقية للأبعاد الأخرى للعنف المدرسي المتجلية ،كما أوردنا،على بعضهم، أوردنا، في عنف التلاميذ على أساتذتهم ،وعنف التلاميذ على بعضهم البعض.هذا مع تكثيف جهود الجهات الأمنية..المختلفة لتجفيف منابع المخدرات..بشتى تفاصيلها والحؤول دون وصولها إلى محيط المؤسسات التعليمية. على اعتبار ا، نسبة عالية من العنف الممارس من طرف التلاميذ داخل المؤسسات يكون فاعلوه تحت تأثير مخدر .