نادية فتاح: 49 مليار درهم كلفة الدعم الاجتماعي المباشر منذ دجنبر 2023    التهراوي: نموذج المجموعات الصحية الترابية سجل مؤشرات إيجابية على العديد من المستويات    شغيلة جماعة أولاد أكناو تحتج ببني ملال وتلوّح بالتصعيد بسبب تجميد المستحقات    المندوبية السامية للتخطيط : ارتفاع الطلب الداخلي خلال الفصل الثالث    كان 2025 .. طنجة ملتقى الحماس الإفريقي    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية        مديرية الضرائب تنشر المدونة العامة لسنة 2026    الدنمارك أول دولة أوروبية تتوقف عن توصيل الرسائل الورقية    "المعاملة بالمثل".. مالي وبوركينا فاسو تفرضان حظرا على سفر مواطني الولايات المتحدة    مراكش.. إصدار أحكام جديدة تصل لست سنوات في حق متابعين على خلفية احتجاجات "جيل زد"    سعيّد يمدد حالة الطوارئ في تونس    أسعار النفط تتجه لتسجيل تراجع بأكثر من 15 في المائة سنة 2025        ثمن نهائي كأس إفريقيا.. اختبارات صعبة للجزائر وتونس والسودان وفي المتناول للمغرب ومصر    كأس إفريقيا للأمم تغير "صناعة اللعب"    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي        تقرير: تراجع وفيات الأطفال وارتفاع الالتحاق بالتعليم المبكر في الصين        قطاع المحاماة بفيدرالية اليسار الديمقراطي يعلن رفضه لمشروع قانون مهنة المحاماة ويحذر من المساس باستقلالية الدفاع    دياز يخطف أنظار الإعلام الإسباني ويقود أسود الأطلس للتألق في كان المغرب    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    سرقة القرن في ألمانيا.. 30 مليون يورو تختفي من خزائن بنك    المغرب يترأس مجلس إدارة معهد اليونسكو للتعلم مدى الحياة    كأس الأمم الأفريقية.. مباراة شكلية للجزائر ضد غينيا الإستوائية ومواجهة مصيرية للسودان    الجديدة 10 أشهر حبسا نافذا في حق يوتوبر بالجديدة    ارتفاع أسعار الإنتاج الصناعي بالمغرب خلال نونبر 2025 رغم تراجع بعض القطاعات    أنفوغرافيك | لأول مرة تتجاوز حاجز 300 مليون دولار.. مداخيل المغرب من صادرات الأفوكادو    قطارات "يوروستار" تستأنف الخدمة    ألمانيا وفرنسا تؤجلان القتال الجوي    إسرائيل تهدّد بتعليق عمل منظمات    صنع في المغرب .. من شعار رمزي إلى قوة اقتصادية عالمية    إطلاق حملة واسعة لتشجير المؤسسات التعليمية بإقليم الفحص-أنجرة    قتيل وثلاثة جرحى في حادث إطلاق نار وسط كندا    الحماس يغمر تدريبات "أسود الأطلس"    أسود الأطلس يتعرفون على منافسهم في موقعة يوم الأحد برسم ثمن نهائي الكان            قانون التعليم العالي الجديد: بين فقدان الاستقلالية، وتهميش الأستاذ، وتسليع المعرفة    ‬السيادة الديموقراطية…. ‬بين التدخل الخارجي ‬والفساد الداخلي!‬‬‬‬‬    الأطالس تجذب القر اء بتركيزها على جمالية الخرائط ومحتواها التعليمي    باحثون فلسطينيون ومغاربة يقاربون الأبعاد الروحية والإنسانية لأوقاف أهل المغرب في القدس    21 فنانا مغربيا يعرضون مشاعرهم وذاكرتهم في «ذبذبات داخلية» بالدار البيضاء    الاستهلاك المعتدل للقهوة والشاي يحسن وظائف الرئة ويقلل خطر الأمراض التنفسية    المعرض الوطني الكبير 60 سنة من الفن التشكيلي بالمغرب    فعاليات برنامج مسرح رياض السلطان لشهر يناير تجمع بين الجرأة الإبداعية ونزعة الاكتشاف    المغنية الأمريكية بيونسي على قائمة المليارديرات    وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاما        علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    الحق في المعلومة حق في القدسية!    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تافراوت أملن بين العطش و الغرق
نشر في تيزبريس يوم 21 - 08 - 2011

طرحت المياه في منطقة تافراوت – أملن مشاكل كثيرة سواء في حالة الندرة أو الوفرة، وذلك بسبب سوء استخدام المصادر المتوفرة، و غياب التخطيط والإدارة الفعالة، و الضغط الكبير و المتزايد على الفرشة الباطنية، و تزايد النمو الديمغرافي و الأنشطة البشرية، إضافة إلى التقلبات المناخية التي يعرفها العالم في السنوات الأخيرة. تقع المنطقة في جنوب المغرب المنتمي مناخيا إلى النطاق الجاف، و المتميز بقلة الأمطار وعدم انتظامها، و ارتفاع درجات الحرارة صيفا وانخفاضها شتاءا... و ارتفاع المدى الحراري اليومي و السنوي، إضافة إلى قوة التهوية بفعل هبوب رياح من الشرق ( ويمينغ ) أو من الجنوب الغربي ( تاكوت ). و كلها ظروف جعلت لكل قطرة ماء قيمة لا تقدّر بثمن لدى السكان باعتبارها أساس حياتهم وعنصرا هاما في ممارسة أنشطتهم و استقرارهم، فبذلوا مجهودات كبيرة للتحكم في هذه الثروة الطبيعية، بابتكار تقنيات و أساليب لتخزينها و تدبير توزيعها و استهلاكها.
و قد عاشت المنطقة لعقود عدة وضعا صعبا يتمثل في شح المياه بفعل توالي فترات دورية من القحط و الجفاف الشديد، و التي أصبحت حدتها تتجاوز الفترات الممطرة، بل في كثير من الأحيان امتد الجفاف لسنوات طويلة و متعاقبة، مما أدى إلى ندرة المياه و تراجع الفرشات الباطنية و نضوب المنابع والآبار و انخفاض منسوب العديد منها، و تراجع الأنشطة الفلاحية بشكل أضر كثيرا بالفئات الكادحة من السكان، و التي اضطرت إلى بيع ماشيتها بأبخس الأثمان و هاجر العديد منها نحو المدن و البلدات القريبة أو البعيدة أو خارج البلاد.
و زاد من حدة الخصاص في الماء التحولات الاقتصادية و الاجتماعية التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة نتيجة عدة عوامل، في مقدمتها الهجرة ( سواء الداخلية أو الخارجية ). ذلك أن هذه التحولات صاحبها بروز عادات و حاجيات جديدة، و اختفاء لخصوصيات مجتمعات الندرة، و انقراض لأنماط العيش التقليدية، و زيادة في استغلال الموارد الطبيعية – خاصة المياه – و الذي يتم في غالب الأحيان بشكل غير معقلن و مرفوق بشتى مظاهر الإفراط والتبذير، و يلاحظ ذلك بشكل خاص و جلي لدى المهاجرين العائدين للاستقرار أو لقضاء العطل بالمنطقة، و أيضا لدى المستثمرين في بعض القطاعات الاقتصادية ( السياحة مثلا).
غير أن مشكلة ساكنة المنطقة ليست فقط مع شح الأمطار، بل صارت أيضا مع وفرتها، لدرجة أصبحت للأمطار عواقب لا تقل خطورة عن تلك التي تصاحب السنوات العجاف. فبعدما كان السكان في السابق يستبشرون بقدوم الغيث عندما تتلبد السماء بالغيوم و يميل لونها إلى السواد، أصبح شعورهم في السنوات الأخيرة ممزوجا بالخوف و التوجس؛ فبمجرد ما أن تُرعد السماء و تبرق و يبدأ هطول قطرات المطر الأولى، حتى يبدأوا في تلاوة “اللطيف” مخافة أن تفيض قطرات الغيث عن حاجة الأرض العطشى فتهلك الحرث و النسل و تقطع المسالك و الأرزاق.
ففي مستهل شهر فبراير من السنة الماضية (2010) و بينما كانت مدينة تافراوت تأخذ زينتها استعدادا لاستقبال ضيوف “مهرجان اللوز” في دورته الثانية، تفاجئ سكانها بفيضانات عارمة ألحقت أضرارا فادحة بالتجهيزات و الممتلكات. حيث تحولت القنطرة الرئيسية و الوحيدة المقامة على الواد المخترق للمدينة، إلى سد منيع في طريق السيل الهائج و الموحل بعد أن اختنقت منافذها الضيقة بجذوع و أغصان الأشجار و النفايات المختلفة، فتحولت المياه إلى الشارع الرئيسي و الأزقة المجاورة و غمرت بعض المساكن و المقاهي و محلات الحرفيين، و دمرت بعض الأسوار و أجزاء من الحواجز المقامة حديثا لهيكلة مجرى النهر، و كادت تتلف قنوات الصرف الصحي المحادية للمجرى و التي تكشفت أجزاء مهمة منها، و جرفت بضائع و خيام الباعة المتجولين الذين كانوا يفترشون جنبات الواد استعدادا ليوم السوق الأسبوعي. و بعد انحسار المياه غطت برك من الوحل وأكوام من الأتربة و النفايات و بقايا النباتات الأزقة و الشارع الرئيسي، معرقلة حركة السير .
فيضانات هذا المجرى غالبا ما تتكرر، خصوصا عند المقطع الذي أقيمت عليه القنطرة الرئيسية، كما حدث في شهر غشت من نفس السنة، ليس بسبب غزارة الأمطار أو شدتها و لكن بسبب عدم هيكلة ضفاف المجرى و القنطرة بشكل جدري، فهذه الأخيرة لم تكن أفضل من سابقتها، رغم أن إعادة بنائها مؤخرا كلفت ملايين الدراهم، و ربما لن ينتبه المسؤولون إلى خطورة هذا المجرى على الساكنة إلا عند وقوع كارثة أعظم، خصوصا و أن العمران أصبح يزحف على جوانبه.
و غير بعيد، و في جماعة أملن المجاورة، و التي تقع معظم قراها على طول وادي أملن، فلم يعد خروج الواد عن مجراه استثناءاً؛ و منذ سنين عديدة لم تستطيع الساكنة إيجاد حل ناجع له نظرا لكون ذلك يتجاوز إمكانياتها، فبقت مكتوفة الأيدي تراقب في حسرة تقلص مساحة أراضيها الزراعية وضياع الممتلكات و كل المجهودات التي راكمها الأجداد منذ قرون لاستصلاح الأرض و توفير الوسائل الكفيلة باستغلالها. كما لم تسلم البيئة الطبيعية و البنية التحتية هي الأخرى من الأضرار الناتجة عن المياه الجارفة.
و في كل موسم للتساقطات تجرف مياه الواد قسطا كبيرا من طبقة التربة الهشة أصلا و المزيد من الأراضي الفلاحية، لدرجة اتسع عندها مجرى الواد بشكل غيَّر المشهد الطبيعي بالعديد من الدوارير، و تحولت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية إلى صحراء من الحجارة و الحصى، و أصبحت أراضي زراعية أخرى كانت في السابق بعيدة عن المجرى مهددة بانجراف التربة في المواسم المقبلة، بعد أن أصبحت على ضفافه. كما اقتلعت الأشجار المثمرة، و طُمرت العديد من الآبار و القنوات بالأتربة و الحصى، و خُربت بعض المسالك و القناطر و تجهيزات الري، و انقطعت طرق المواصلات لأيام معدودة، عاشت خلالها الساكنة في عزلة شبه تامة.
إن الجفاف و الأمطار الغزيرة ليست بالظواهر الاستثنائية أو القصوى الغريبة عن منطقة تافراوت أملن؛ فالجفاف ظاهرة بنيوية يعرفها المغرب عامة منذ قرون عديدة، و تمكنت الساكنة من التأقلم معها. أما الأمطار الغزيرة، فبحكم وقوع المنطقة جغرافيا ضمن النطاق الجاف، فإنها لا تتجاوز في أحسن الأحوال 200 ملم سنويا. غير أن تضافر عوامل كثيرة زادت و ستزيد مستقبلا من خطورة هذه الظواهر المناخية، منها ما هو طبيعي متمثل في ظاهرة الاحتباس الحراري التي يعرفها العالم عموما، و منها ما هو بشري مرتبط بالتحولات الاقتصادية و الاجتماعية التي تعرفها المنطقة و ما رافقها من انتشار للتعمير و إهمال للأنشطة الفلاحية، و الضغط الكبير على المياه الجوفية. و ينضاف إلى كل ذلك إهمال صيانة المجاري المائية، و عدم ملائمة بعض المنشات الفنية و محدوديتها، و انعدام منشآت الوقاية من الفيضانات، و غياب التشجيع على الاستعمال الرشيد للماء وتثمينه و المحافظة على الغطاء النباتي و حماية السفوح و الأحواض المنحدرة و محاربة انجراف التربة.
و إذا استمر الوضع على ما هو عليه دون أي تدخل مناسب من لدن الجهات المعنية فإن النتائج ستكون مأساوية، خصوصا و أن المنظر الطبيعي في المنطقة عامة و على طول وادي أملن خاصة بدأ منذ سنوات يعرف تحولا كبيرا، حيث اختفت العديد من واحات النخيل و مغارس أشجار اللوز و معظم البساتين الغناء التي طالما ألهمت الشعراء المحليين و تغنى بها شيوخ “الروايس”.
محمد وانغاري
أستاذ و فاعل جمعوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.