قام الباحث التربوي محمد مامو بدراسة ميدانية قيمة، حيث تناولت الدراسة واقع اشتغال المدارس الجماعاتية وسبل تحسين أدائها وتجويد مردودها؛ تم رصد وتفكيك واقع هذا النوع الجديد من العرض التربوي؛ تتكون الدراسة من 56 صفحة وهي غير منشورة وضعها الباحث رهن إشارة نقابة مفتشي التعليم ؛ وقد قسم الباحث دراسته إلى شقين: شق توثيقي وشق ميداني؛ تعرض في الشق الأول إلى تحليل وضعيات وبنيات مجموعة من المدارس الجماعاتية، التي تنتمي إلى الحيز الجغرافي لأكاديمية دكالة عبدة سابقا، كعينة للبحث، همت كل المؤسسات الجماعاتية لمديريات: الجديدة، اسفي، سيدي بنورواليوسفية؛ و اقتصر الشق الميداني على المدارس الجماعاتية بمديرية اليوسفية، وقد مكنته الدراسة بشقيها التوثيقي والميداني، من استنتاج أساسي مفاده أن هذا العرض التربوي الذي أُريد له أن يمثل بديلا حقيقيا ونوعيا للمؤسسة الابتدائية التقليدية بالعالم القروي، ويتجاوز إكراهات وتحديات ومعضلات هذه المدرسة المتميزة بوجود مركز تتبعه فرعيات متناثرة ومشتتة، تربط بينها مسالك وعرة، ويصعب الحفاظ على تجهيزاتها وتأطيرها ومراقبتها إداريا وتربويا؛ قد فشل -هذا العرض التربوي الجديد- في أن يكون بديلا حقيقيا ونوعيا للمدرسة الابتدائية بالمجال القروي أو على الأقل يتجاوز بعض معوقاتها. وخلصت الدراسة إلى اعتبار المدرسة الجماعاتية ورشا هاما في مسلسل "إصلاح التعليم" بالمغرب، سواء من حيث الكلفة المادية التي رُصدت للمشروع أو من حيث الأهداف والآمال التي عُلقت عليه، ونظرا لكون هذا العرض التربوي الجديد جاء لتجاوز الإكراهات والتحديات التي واجهتها المدرسة الابتدائية بالعالم القروي، خاصة ما تعلق منها بالهدر المدرسي وتأمين زمن التعلمات وتدبير الموارد البشرية، كان لابد من تقييم ولو أولي للتجربة التي شُرع فيها مند 2003 على سبيل التجريب؛ تم توسعت وتكثفت مشاريع إحداث المؤسسات الجماعاتية بعد 2010 في اطار "البرنامج الاستعجالي"، دون تقييم جزئي للمشروع؛ لقد اعتمد الباحث منهجية قام من خلالها بدراسة استكشافية تحليلية لنماذج من هذه المؤسسات التابعة لمديريات: آسفي، الجديدة، وسيدي بنور؛ بينما تم الاقتصار في توزيع استمارات البحث على المدارس الجماعاتية التابعة لمديرية اليوسفية، -لكون الباحث اعتمد على إمكاناته الخاصة- وهي عينة يعتقد الباحث أنها كافية من حيث التمثيلية، إذ تضم هذه المديرية وحدها ثلاثة مدارس جماعاتية من اصل اثنا عشر مدرسة، تم إحداثها بجهة دكالة عبدة سابقا، وتعزيزا للبحث الميداني، قام الباحث بتحليل المعطيات الإحصائية للمدارس الجماعاتية المنتمية إلى المديريات الأخرى. و تم بناء استمارة البحث التي خضعت للمنهجية العلمية، عن طريق عرضها على محكّمين وخبراء ينتمون إلى المجال، وفق تقنية الجماعة البؤرية، تم بعد ذلك تم إخضاع استمارات البحث للتجريب الأولي من اجل ضبط خصائصها القياسية بغية تأمين صدقيتها وأمانتها. شملت عينة البحث ثلاثة طبقات أو فئات ممثِّلة، من العينة الأم، وهم على التوالي، أباء وأولياء تلاميذ المدارس الجماعاتية المعنية بالبحث والدراسة، مفتشو التعليم الابتدائي بمديرية اليوسفية، ورؤساء المؤسسات الجماعاتية المعنية؛ ويقول الباحث أن فئة الآباء، تجاوزت تمثيلة العينة نسبة 25%، بينما تم توزيع الاستمارات على جميع المفتشين والمديرين بالنسبة للفئتين الأُخْريين. واهم ما خلُصت إليه هذه الدراسة التربوية، يتمثل أساسا في كون غياب قانون اطار خاص بهذا النوع من العرض التربوي يحدُّ وبشكل مؤثر من مردوديته ونجاعته، كما أن ضعف النقل المدرسي واهتراء الشبكة الطرقية أو غيابها، وموقع المدرسة الجماعاتية فاقم من عزلتها مجاليا، بالإضافة إلى تردد وحذر الآباء فيما يخص موضوع إرسال أبنائهم إلى القسم الداخلي، كما لاحظ الباحث أن تعميم نفس النموذج من المدراس الجماعاتية، وبنفس المواصفات والمرافق وطنيا، رغم التباينات الثقافية والاجتماعية نتج عنه تجميد وتعطيل وشلل في كثير من مرافق وخدمات المدرسة الجماعاتية. ويقول الباحث إن هذا العرض التربوي الذي أُريد له أن يمثل بديلا حقيقيا ونوعيا للمدرسة الابتدائية التقليدية بالعالم القروي، ويتجاوز إكراهاتها، قد فشل في تجاوز التحديات، حيث لا تزال جميع المؤسسات الابتدائية المتناثرة حول المدرسة الجماعاتية قائمة، وتشتغل بنفس الوتيرة وبنفس الزخم ونفس الإعاقات ونفس الإكراهات أيضا، وترهن نفس الموارد البشرية وتعج بالأقسام المشتركة، في حين وبالمقابل لم تستطع المدرسة الجماعاتية استقطاب واستقبال إلا أعدادا قليلة من التلاميذ، بنسبة لا تتجاوز في احسن الأحوال 50%، من الطاقة الاستيعابية، مما يدل على أن الآمال التي عُلقت على هذا النوع من العرض التربوي لم تتحقق إلى حدود الساعة؛ وهو ما دفع بالباحث إلى طرح سؤال الجدوى والإضافة النوعية لهذا النوع من العرض التربوي؛ بمعنى آخر، ماهي الإضافة النوعية والقيمة المضافة للمدرسة الجماعاتية؟، وخلصت الدراسة إلى المرسة الجماعاتية هي الأخرى تعاني من خصاص في المورد البشري والتأطير القانوني والفراغ التشريعي ومحدودية الدعم والاحتضان والاندماج، بما يترتب عنه شلل مزمن يعوق الحياة المدرسية بها، تماما كما هو ملاحظ بالمدرسة الابتدائية التقليدية بالعالم القروي؛ كما يخيم الجمود وعدم تفعيل عدد من مرافق وفضاءات المدرسة الجماعاتية والتي لا تُستغل إلا ناذرا، من قبيل المكتبة وقاعة المداومة ومرافق التربية البدنية والمقصف وقاعة الإعلاميات وفضاءات الأنشطة الموازية والترفيهية بسبب ندرة المورد البشري...؛ وخلصت الدراسة إلى تأكيد الفرضيات المطروحة في البداية، حيث استنتجت أن عدم قدرة المدرسة الجماعاتية على لمّ وتجميع شمل وشتات الفرعيات المنتشرة والمتناثرة بالدواوير المحيطة بها، وعدم التحاق التلاميذ بالقسم الداخلي، يُعزى أساسا إلى عدة عوامل أهمها: موقع المؤسسة، الذي يعتبر معزولا وبعيدا عن تلاميذ هذه الفئة العمرية؛ ويُفاقم من ذلك، عدم وجود نقل مدرسي جيد وكاف ومسالك معبدة وصالحة باستمرار للتنقل، تربط جميع الدواوير بالمؤسسة؛ أما بالنسبة لعدم الالتحاق بالقسم الداخلي، فيُعزى ذلك أساسا، حسب الدراسة دائما إلى تردد الآباء في إرسال أبنائهم إليه، نظرا لتوجسهم ولعدم ارتياحهم وضعف اطمئنانهم إلى مستوى التأطير والخدمات المقدمة بهذا القسم الداخلي، ونظرا كذلك لعدم وجود طاقم متكامل من الموارد البشرية متخصص ومؤهل، يسهر على تأطير هذه الفئة العمرية من أطفال المرحلة الابتدائية بالداخلية إلى جانب رئيس المؤسسة؛ فضلا عن حاجة الآباء القرويين إلى أبنائهم ليساعدوهم في أغراض الرعي والفلاحة وغيره، دون أن ننسى ندرة أو غياب المنح الدراسية. وأكدت الدراسة في ختامها على أنه " يمكن أن نجزم بان تعثر المدرسة الجماعاتية على الأقل في المجال الجغرافي الذي شملته الدراسة، يُعزى أساسا إلى غياب قانون اطار خاص بهذا النوع الجديد والمتميز من العرض التربوي، مما حدّ من مردوديته ونجاعته، وأعاق اندماج المشروع في بيئته، كما أن تعميم نفس النموذج من المدارس الجماعاتية وبنفس التصميم وطنيا، رغم التباينات الثقافية والاجتماعية والمجالية، نتج عنه تجميد وتعطيل وشلل في كثير من مرافق وخدمات المدارس الجماعاتية" ، وبذلك ندعو الوزارة إلى مراجعة وتعديل برنامج المدارس الجماعاتية وفق الخلاصة الأخيرة للدراسة. عبدالرزاق بن شريج