تحت خيمة كبيرة، عقدت جلسة متنقلة لقضاء الأسرة في جماعة «أيت إيعزى» في إقليمتارودانت. جلس رئيس الجلسة، محمد أيت هماد وإلى جانبه عضوان من الهيئة القضائية المتنقلة وممثل النيابة العامة وكاتبة الضبط. ينادي العون المكلف بتنظيم سير الجلسة على المدعي للمثول أمام الهيئة التي ستبت في ملفه. وقفت فطومة صابر بين يدي هيئة المحكمة، مطالبة بثبوت الزوجية من زوجها المتوفى منذ 36 سنة، وإلى جانبها ابنها الذي يبدو أنه تجاوز الأربعين... طلب منها القاضي الإدلاء ببطاقة تعريفها الوطنية، فشرعت تبحث عنها بين ملابسها، دون الاكتراث بمحيطها، ساعدها ابنها في العثور عليها، بتلقائية أجابت القاضي بأنها أنجبت من زوجها، لحسن لشكر، 10 أبناء، بقي منهم سبعة على قيد الحياة، وأنها ظلت على ذمته إلى أن وافته المنية، إثر حادثة سير. بلهجتها الأمازيغية، توضح «فطومة» للقاضي أن أباها زوجها من لحسن ب«الفاتحة» وشهادة الفقيه سيدي بوسلام وسيدي عثمان... يصغي إليها رئيس الجلسة بإمعان ويسألها عن أبنائها فتتلو أسماءهم واحدا، واحدا، وتؤكد أن هدفها من إثبات الزوجية هو تمكين أبنائها، الذين صاروا رجالا ونساء، من استخراج بطاقة التعريف الوطنية. لا تتحدث «فطومة» إلا الأمازيغية، يتجاوب معها القاضي، الذي يتقن لهجتها، لأنه يتحدر من نفس الجهة، فيملي على كاتبة الضبط مضمون تصريحات المدعية بالعربية. بعد الاستماع إلى «فطومة»، ينادى على الشهود، الشاهد الأول شاب من مواليد 1984، أدى اليمين بعد ما ذكره القاضي بأن عقوبة شهادة الزور تتراوح ما بين 5 سنوات و20 سنة، ليؤكد أنه لم يعاصر زوج «فطومة»، لكنْ، بحكم نشأته في نفس القبيلة، انتهى إلى علمه أن هذه المرأة المسنة كانت متزوجة من لحسن بن مبارك وان لديها سبعة أبناء، وذكر أسماءهم، مبتدئا بأسماء الإناث.. حضر الشاهد الثاني، الذي أكد بدوره أنه، من خلال مخالطة «فطومة» داخل الدوار، علِم أنها كانت متزوجة وتوفي زوجها وأن لديها 7 أبناء تلى أسماءهم، مبتدئا باسم الذكور... وأكد أحد أبناء «فطومة» ل«المساء» أن عدم توفر والدته على عقد الزواج حرمه من حيازة الحالة المدنية، وبالتالي عقد الازدياد، لإعداد بطاقة التعريف الوطنية، وهذا يشمل جميع إخوته وأخواته، وأضاف أنهم يرغبون في أن تصبح لهم هوية كباقي المواطنين، لذلك استغلوا فرصة الجلسات المتنقلة التي تعفيهم من التنقل إلى مدينة تارودانت وينتظرون البت في الحكم في الأسبوع المقبل. مثُل رجل آخر تجاوز الخمسين من عمره أمام القاضي، من أجل طلب الاستماع إليه بخصوص ثبوت الزوجية، وتحذوه رغبة في أن يضمن حقوق أبنائه السبعة، أما زوجته فهي في عداد الموتى، وقد تزوج امرأة أخرى منذ سنة ونصف. يتحدث «محمد» بالعربية بصعوبة ويؤكد أنه لم يسبق له أن طلق زوجته إلى أن توفيت. يستمع القاضي إلى الشهود، بعد أدائهم القسم، مؤكدين إدلاءهم بشهادة الحق، فأكدوا أن الرجل الماثل أمامهم كان متزوجا وأنجب أبناء وأن زوجته توفيت. يسأل القاضي أحد الشهود قائلا: «هل طلقها أم لا؟» ليجيب الشاهد: لا أعلم ذلك، لكنني أعرف أنه كان متزوجا منها ولديهما أبناء (سرد أسماءهم). نادى العون على مدع ثان يسمى «الوردي»، فحضر مؤازرا بدفاعه، راغبا في توثيق زواجه، مؤكدا أنه كان يتوفر على العقد الذي أبرمه في مدينة ورزازات لكنه ضاع منه، لم تحضر زوجته التي أوكلت له النيابةَ عنها في توثيق زواجهما، مبرزا أنه تزوجها سنة 1972 وأن لديهما أربعة أبناء وأنها ما زالت في عصمته. يسأله القاضي عن الصداق، فيجيب أن قدْره ألفا (2000) درهم، لكنها ما زالت بذمته،. لم يتردد «الوردي» في أن يصحح للقاضي لقب زوجته «بلكدير»، مدققا في الطريقة التي ينبغي أن يُنطَق بها اسمها. لم يدخل الملف للمداولة، بل طالب رئيس الهيئة أن يُحضِر المدعي الشهود من أجل إثبات علاقته الزوجية. الحصول على وثائق الهوية، خاصة بطاقة التعريف الوطنية، سبب من بين الأسباب التي جعلت «فاطمة» تنتظر دورها في الجلسة. تنقلت من أحد الدواوير النائية إلى جماعة «إيعزى» من أجل تقديم دعواها، لم تحظ، مثل قريناتها، بالتسجيل في الحالة المدنية، لأن والديها كانا متزوجين دون عقد وتزوجت، بدورها، بنفس الطريقة وأنجبت سبعة أبناء. ترغب «فاطمة»، أولا، في الحصول على إثبات زوجية والديها المتوفيين، حتى تحصل على وثائقها أولا وتتقدم بطلب الاستماع إليها بشان ثبوت زواجها، خاصة أن لديها سبعة أبناء. تقول فاطمة ل«المساء»: «إن كثرة الانشغالات في الحياة اليومية الصعبة والفقر حال دون تنقلنا من أجل توثيق الزواج»، لتضيف، بلهجة دارجة ممزوجة بالأمازيغية: «كلشي يتزوج زواج النية». لم تكن «فاطمة» لوحدها التي جاءت لتوثيق زواج والديها المتوفيين، بل هناك حالات مماثلة حضرت الجلسة المتنقلة، بهدف القطع مع الماضي والحصول على عقد زواج كدليل على العلاقة الزوجية، حيث عرض خلال الجلسة المتنقلية 59 ملفا في اليوم ودخل 36 ملفا المداولة، في حين أن الملفات المتبقية أُجِّلت، بسبب إعداد الدفاع أو استكمال الوثائق أو إحضار الشهود، حسب القاضي أيت هماد. وإذ كان عدد من المواطنين يلجؤون إلى المادة 16 من أجل توثيق زواجهم، لضمان حقوقهم وحقوق أبنائهم، فإن هناك من يحاول التحايل على النص، إذ يوضح القاضي أنه عندما يرفض زواج قاصر، مثلا، لسبب من الأسباب، فإن والدها يزوجها ب«الفاتحة» وبعدما تنجب، تطالب بإثبات الزوجية وتوثق عقدها، كما هو الشأن بالنسبة إلى التعدد. ومن بين الأمثلة التي تعرض في المحاكم، يقول أيت هماد، حالة من كلميم لرجل متزوج من امرأتين بدون عقد ولديه أبناء مع كل واحدة منها. وفي تارودانت، أسفرت عملية توثيق الزواج خلال الفترة الانتقالية الأولى عن تسوية وضعية أزيد من 5000 حالة، حسب ما ذكر عامل الإقليم، فؤاد محمدي، الذي أكد أن «الزواج بالفاتحة» كان له أثر سلبي، خاصة عدم تمكن الأبناء من التسجيل في الحالة المدنية، مما كان له الانعكاس على وضعياتهم الإدارية، خاصة في ما يتعلق بتمكينهم من التمدرس وحصولهم على الوثائق الإدارية، مثل بطاقة التعريف الوطنية وجواز السفر وغيرها من الوثائق. ولم يكن تعديل المادة 16 من مدونة الأسرة وتمديد فترة إثبات الزوجية بالتعديل السهل، حسب وزير العدل، بل عرف عددا من الصعوبات. بعد انقضاء الآجال القانونية لثبوت الزوجية في المرحلة الأولى -وكانت خلال فبراير من سنة 2009 - ظلت عدد من القضايا لم يتم البت فيها، بلغ عددها في بداية سنة 2010 حوالي 9000 طلب لم يتخذ أي إجراء بشأنها، لم تُرفَض ولم تُقبَل، يؤكد وزير العدل في ندوة صحافية نظمت أول أمس، في انتظار التمديد الذي منح خمس سنوات أخرى إضافية، ستنتهي في 5 فبراير من سنة 2014. لقد أصبح توثيق الزواج ضرورة مُلحّة، خاصة أن الوازع الديني والأخلاقي يضمحل وأصبح الرجل «ينكر» زوجته، وإن كان هناك أبناء فإنهم يعيشون «منبوذين»، لأنهم لا يتوفرون على أي وثائق هوية، يضيف الناصري. ولأنه عادة ما يكون مبرر السكان بأن مقرات المحاكم بعيدة، لذلك لا يُقبلون على توثيق الزواج، فإنه يتم تقريب القضاة المكلفين بالإذن بالزواج من المواطنين، إذ يتنقلون إلى مراكز القضاة المقيمين وإلى الأسواق، كما ذكر وزير العدل. خديجة عليموسى المساء