مما سمعته أذناي هذه الأيام، أن أحد ملاك العقار، وهو على فراش المرض يصرخ بأعلى صوته: "Asiyatn flla akala!!" –احملوا عني هذه الأرض-، كناية عن وقوع هكتارات لا بأس بها على رقبته يوم تركته الأسقام والأدواء يفعل ما يشاء، فحانت ساعة الحقيقة التي اعترف فيها عن خطيئة قديمة اقترفها، وآن أوان التّخلّص منها حتّى يرتاح الضّمير من التّأنيب الذي ينتابه في مثل هذه الحالات، فيجد يوما ما مترا ينام فيه دونما انزعاج. إن صحّت هذه الرّواية، رُبّما كان هذا الرّجل –شفاه اللّه- استثناء في سباقات طاحنة لإشباع غريزة تملّك الأرض كحالة مرضية ما فتئت تتّسع رقعتها في المغرب، والقطر الجنوبي خاصّة، بطريقة رهيبة تستدعي دراستها سوسيولوجيا وعلاج أصحابها، لأنّها باتت تُهدّد السّلم الاجتماعي، وتُوقع الضّحايا في غفلة عن الجميع. ولهذا السّبب، بعث الملك في الآونة الأخيرة برسالة إلى وزير العدل والحرّيات تستهدف وضع خطّة عاجلة للتّصدّي لظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير، وهي إشارة واضحة من أعلى سلطة في البلاد، إلى وجود خطر مُحدق بدأت رُقعته تتّسع، حتّى وصلت أصداؤه الملك نفسه، عبر شكايات الضّحايا الذين لم تحمهم القواعد القانونية الزّجرية، ولم تُنصفهم المحاكم بقضائها الجالس والواقف، فكان لزاما اتّباع مسطرة أخرى أكثر نجاعة. ولا يخفى على أحد، ما تعيشه البنية الاجتماعية المغربية من قلق عقاري حادّ، إذ كلّما طفت على السّطح أحداث مُوجعة في الميدان العقاري جعلت القانون محلّ مُساءلة، وكشفت عن هشاشة السّلم الاجتماعي الذي يتغذّى أساسا على البنية العقارية المُشجّعة للاستقرار والاستمرار والاستثمار. ربّما، تكون صرخة "إبّا إيجّو" التي أطلقتها يوما أمام المحكمة الابتدائية-تيزنيت قبل ثلاث سنوات، وحملتها عدسات الصحافي المُواطن "محمد بوطعام" إلى كُلّ أنحاء العالم، واحدة من الصّرخات العابرة التي حرّكت ماء راكدا أضحى مجال الصّيد لحيتان العقار، لكنّها لحدود هذه اللّحظة، لم تكن انطلاقة مُهمّة لتحقيق أمن عقاري منشود، ولحماية الوعاء العقاري الذي لم يخضع بعد لقانون (14.07) من أن تمتدّ إليه الأيدي وتنزعه من أصحابه. صحيح، أنّها أعادت النّقاش حول ما بات يُعرف في أدبيات السّاحة الإعلامية إقليميا "مافيا العقار" كشبكة مُرعبة، وأماطت اللّثام عن مُمارسات مُنظّمة، يتمّ تدبيرها بنظام خاصّ للسّيطرة على الأرض والإفلات من العقاب في آن واحد، في تناسق عجيب بين "قواعد الحيازة" و"الإثبات" وشبكات شهود الزّور. كما نبّهت حركات احتجاجية إلى بعض الأعراض السّلبية التي تُخفي غابة من العجائب والغرائب، لكنّها لم تُشخّص المرض نفسه لتترافع الهيئات الحقوقية والجمعوية على وصفة علاجية حقوقية آنية. ولهذا لا أرى حلاّ في القريب على الأقلّ، ما دامت التّرسانة التّشريعية والمسطرية التي تُؤطّر الأرض هي نفسُها –وأخصّ بالذّكر هنا، العقار غير المُحفّظ-، وما دامت عناصر "مافيا العقار" قد توغّلت في مُختلف المصالح والإدارات حسب ما كشفت عنه مُتابعات ما بعد الرّسالة الملكية، واستطاعت أن تفرض نفسها اليوم كفاعل مُهمّ في الشّأن العقاري، بحنكتها في ردهات المحاكم، وسطوتها التي لا تُراعي ثقل الأرض في ميزان الضّمير الإنساني.