... وانتصرت أجندة السلطة مجددا بطنجة، أيا كانت مسمياتها المهذبة والجميلة من قبيل ميثاق الحكامة الجيدة، والمشروع الديموقراطي الحداثي ... وفاز مرشح الأصالة والمعاصرة مجددا السيد فؤاد العماري، ليخلف زميله في الحزب سمير عبد المولى، الذي كان إلى عهد قريب عمدة طنجة قبل إقدامه على الاستقالة. ولم تكن استقالة العمدة سوى مشهد من مسرحية ذات إخراج ركيك، تتحرك فيه الشخوص وتتداول فيه الأدوار وفق حسابات مدروسة، تخالف حسابات المنطق والإرادة الشعبية المحلية. ويبقى حزب العدالة والتنمية الأول على مستوى عدد المستشارين بمجلس المدينة باثنين وعشرين مستشارا، خارج حسابات التدبير الجماعي بطنجة. لكن لماذا تأخر حزب الأصالة والمعاصرة سنة وزيادة ليعيد بناء مجلس برئاسته، ويكرس مجددا إقصاء العدالة والتنمية، في الوقت الذي أخطأ فيه حساباته بداية حينما عاكس إرادة الأغلبية داخل المجلس الجماعي، وهاهو التاريخ يكرر نفسه هذه المرة بأغلبية الأصوات، لكن من خلال معاكسة واضحة للإرادة الشعبية للمواطنين. وعموما فإن هناك جملة من الملاحظات الخاطفة التي ينبغي تسجيلها على هامش انتخاب العمدة الجديد، تتمثل في أن منطق الخسارة السياسية لاينبغي اختصاره فيما لحق العمل السياسي لمستشاري العدالة والتنمية، ولكن الخسارة بمفهومها الحقيقي تنسحب على مستوى التمثيلية التي تمثلها الإرادة والطموح الشعبي والمحلي. كما أن ما جناه البعض من ربح وما سيجنيه آخرون على مستوى التمثيل الجديد بالنسبة لنواب العمدة وبخاصة منهم الصاعدون الجدد، وما حصده آخرون في المقابل من أفول سياسي، كل ذلك ما كان له أن يكون سوى على حساب نضال سياسي جاد لمستشاري حزب العدالة والتنمية، الذين ما ادخروا جهدا منذ انتدابهم في المجلس، في فضح كل الممارسات السياسية أو التدبيرية المختلة للمجلس السابق. ولعل الفائز الوحيد في عملية انتخاب العمدة هذا اليوم، هو ذاك المنغيب الثاني إلى جانب العمدة السابق، الذي لعله يحظى بالفوز بأجر الحج بعد أن نجى بنفسه من إثم السياسة، لكنه للأسف لما غاب، غاب حقه ضمن كعكة نواب العمدة كما يقول المثل المغربي. انتخاب بدون مفاجآت تقريبا باستثناء الصوت الوحيد من خارج أصوات مستشاري حزب العدالة والتنمية، والذي حازه المرشح المنافس لمنصب العمدة الدكتور عبد اللطيف بروحو، بحيث تحصل في المجموع على ثلاثة وعشرين صوتا. في الوقت الذي كان يتواجد فيه داخل القاعة هرم من أهرام الحزب بطنجة هو الدكتور محمد نجيب بوليف، وكان الجميع يعتقد أنه هو مرشح الحزب لمنصب العمدة كوكيل للائحة. ترشيح لم يكن المقصود منه الظفر بمنصب العمدة، بقدر ما كان الهدف منه إبلاغ عدد من الرسائل السياسية، من أهمها تلك الرسالة القوية التي تعبر عنها الحياة التي تدب في هذا الحزب بإقليم طنجة، حياة وروح شابة وقيادات تتناوب بكل سلاسة على المواقع. فبالأمس القريب خلف الأخ محمد خيي الشاب رجلا يملك من الشجاعة السياسية القدر الذي جعله يطلب الإعفاء من منصب الكتابة الإقليمية لحزب العدالة والتنمية بطنجة، ليتركه مجالا للتنافس بين مختلف قيادات الحزب، وليتفرغ هو لمنصبه الحالي كنائب أول لمقاطعة طنجة المدينة، ذاك هو المهندس محمد أفقير. واليوم يأخذ الكلمة داخل المجلس رئيس الفريق الأستاذ محمد البشير العبدلاوي، معبرا عن رأي الحزب الذي سبق أن أفصح عنه في بلاغه الأخير يوم الجمعة الماضي، من خلال انفتاحه على كل التحالفات الممكنة الكفيلة بتحقيق مصلحة المدينة. وإجمالا فقد وضعت استقالة العمدة السابق لمدينة طنجة سمير عبد المولى، نهاية لجدل كان قائما حول طريقة تدبيره للمجلس الجماعي، وغياباته المتكررة عن رئاسة الدورات. لكن السؤال الذي يبقى مطروحا حول هذه الاستقالة المتأخرة، هو لماذا تركت له المبادرة بالمغادرة عبر قرار الاستقالة بدل الإقالة؟ أو لم يكن كل ذلك العبث السياسي الذي عرفه تدبير الشأن الجماعي بطنجة كافيا لحث وزارة الداخلية على المبادرة إلى إقالة عمدة طنجة، أم أن الأمر يتعلق بأحد قيادات حزب الأصالة والمعاصرة التي تستحق بدل التوبيخ رسالة تهنئة على قرار الاستقالة "الشجاع"؟ وعموما فإن صفحة سمير عبد المولى لم تطو بعد ما دامت حصيلة تدبيره المفلسة تلقي بظلالها على المستقبل القاتم لمدينة طنجة، وهو ما سيظهر لا محالة على مستوى مناقشة الحساب الإداري لسنة 2010. صفحة لم تطو ما دام حزب الأصالة والمعاصرة قد استطاع أن يخلف نفسه على رئاسة المجلس الجماعي، في الوقت الذي يتحمل فيه المسؤولية الكاملة عن الفشل في التدبير الجماعي السابق للشأن المحلي بطنجة، ولا أدل على ذلك سوى فشل المجلس السابق في وضع مخطط جماعي للتدبير الاستراتيجي يمتد على مدى ست سنوات. حزب الأصالة والمعاصرة يعود مجددا بتصور إقصائي، المستهدف الوحيد منه هو حزب العدالة والتنمية. وإذا كان المنطق الديموقراطي يقتضي مشاركة الحزب الحائز على الأغلبية في التحالفات المشكلة للمجلس، فإن منطق الحزب "الأغلبي" يرفض هذا المنطق ويدفع بالعدالة والتنمية مجددا نحو زاوية المعارضة، قصد تكريس منطق دحرجة واقع للشأن الجماعي قوامه الهرولة إلى الأمام، وإضاعة أوقات الدورات من خلال النقاشات السياسوية العقيمة والضيقة، ووضع رأس المجلس الجماعي في الرمال عبر التأخير المتكرر للدورات وغياب اكتمال النصاب القانوني على غرار دورة أكتوبر الأخيرة الجمعة الماضي. ليطرح السؤال حول مدى توفر القدرات التدبيرية الكفيلة برفع تحدي الحكامة الجيدة لدى عدد من مستشاري المجلس الجماعي، في الوقت الذي نحن فيه في أمس الحاجة لتفرغ تام لمستشاري المجلس، وإقرار مبدأ التنافي مع ممارسة عدد من المهام، وإحداث عدد من الأجهزة المساعدة للمجلس والتي جاءت بها المادة 52 من الميثاق الجماعي ( الديوان، مكلف بمهمة)، قصد الارتقاء بعمل المجلس والرقي بمستوى الممارسة السياسية الجادة داخله. وفي الختام فإن عددا من الأسئلة تطرح نفسها بإلحاح، أولا لماذا يتم رفض مشاركة العدالة والتنمية في التدبير الجماعي منذ سنة 2003؟ ألم يحن الوقت بعد لمدينة طنجة أن تعبر تشكيلة مجلسها الجماعي عن التمثيلية الحقيقية للصدى الشعبي؟ وما مدى الحضور القوي لقطاع التعمير والسكن ضمن رؤية المجلس الجماعي الحالي باعتباره مقوما من مقومات مجموعات الضغط السياسي، وكذلك باعتباره خزانا للأصوات الانتخابية، خاصة بعد صعود نجم عبد السلام العيدوني رئيس لجنة التعمير بالمجلس السابق، والنائب الثاني للعمدة الجديد، ومحمد الحمامي رئيس مقاطعة بني مكادة أو مقاطعة السكن العشوائي، كما يتم تسميتها محليا، النائب السابع للعمدة؟