أولى أوراق يومياتي فقدتها، خلاصة ما جاء فيها: ابتدأت بالخروج في الثامنة ليلا، كنت مفلسا. طلبت مني أختي و أنا أغادر أن أقوم بشراء تعبئة لهاتفها، قبلت. ما ان استلمتها و خرجت حتى كنت أتوجه صوب بائع السجائر. اتجهت بعدها الى مقهى السعديين لقضاء الليلة بالدراهم المغتصبة. كنت ناويا أنني سأرجعها غدا عندما أتعذر بذهابي الى الرباط للبحث عن عمل أو لمقابلة توظيف.هده هي الخطة. في المقهى انتظرت فؤاد لكنه لم يأتي بعد، لقد تأخر عن عادته. بعد ساعة تأكدت أنه لن يأتي. قررت الدهاب الى "تيليوين". لم يتبقى لي سوى 4 دراهم: سيجارتين و فرصة لعب في البلياردو ثم العودة في الحادية عشر الى البيت ادا لم ألتقي أحدا. هكدا بدأت يومياتي... اليوم 1: أخيرا و ليس آخرا أكتب ... في حي مولاي عبد الله، الميعارة أو تيليوين اسم الشهرة ابتعت سيجارتين و قصدت قاعة الألعاب.مقهى تيليوين المجاورة محجوبة عن نظري بالريدو الجانبي لها. أحسن شيء فعلته الأمطار و الرياح الليلة، فأنا لا أطيق نظرات الجالسين بها.القاعة غير مكتظة لكن طاولة البلياردو محجوزة من طرف 3 أشخاص قبلي. يجب أن أنتظر إدن زهاء الساعة. لا يهم، فهدا هو هدفي، تمضية الوقت. أشعلت سيجارة في انتظار أن آلف المكان. هدا رغم علاقتي به التي تمتد الى أكثر من عقد من الزمان. أراقب اللاعبين: المتسول في الحافلات صاحب الوجه المشير، "فاصمان" كما يحلو لي تسميته، فضمادة الجروح لا تفارق جزءا من وجهه. مستقرة بين العين الملغومة المفقودة و الخد المشوه خلقيا. رغم هدا فإنه لاعب جيد، يعجبني لعبه. اللاعب المنافس هو صاحب الكاسكيطة الزرقاء، ابن حارس مدرسة قبالة الحي الصفيحي المجاور الشهير. لباسه نظيف و منسجم. هو الآخر أحترم لعبه، بالطبع مقارنة مع غالبية الزبناء منعدمي التفكير. أقضي الوقت في متابعة المباراة و استراق النظر الى أناس المكان و الى الشارع العام. بؤرة لا تخمد، وسط المدينة بامتياز. ملتقى تفرع النسبة الأعظم من الحافلات القادمة من العاصمة. "العاصمة الغالية و الناس ما هي هانية". على أي رن هاتفي، المتصل أبي. آه،فهمت، هده أختي تريد تدكيري بالتعبئة. هيء هيء، ما العمل؟ سأكمل الخطة. بعد قليل رن الهاتف من جديد، انه فؤاد، لا شك في دلك، فالرقم مخفي. استمر الرنين فأجبت: - آلو، وليد (بلهجة مستعجلة، حائرة و شاردة دائما) - وي، راه جيت للقهوى ما لقيتكش، انا فالبيار (أحب الاختصار لاقتصاد الثمن لكل من يهاتفني) - هانا جاي، أنا فتابريكت، ربع ساعة نكون عندك. إوا لاباس؟ كلشي مزيان؟ آش.. - أنا هنا.(ختمت المكالمة أو انقطع الخط تلقائيا). اقترب دوري بعد دقائق، أنا التالي. جاء فؤاد، جاء ثم دهب. قال أنه سيعود في الحال. بدأت اللعب مع شخص آخر هو الرابح. انتحر في ضربته الثانية. أعدنا اللعبة، فزت بها. اعطني عصا ملائمة و طاولة بلياردو ممتازة و اترُكني أُمتِع الجمهور.حينها تصعب هزيمتي، هزيمة أتكبدها عادة بسبب أدوات اللعب، نوعية ملابسي أو بسبب أحوالي النفسية الباطنية مع شخوص المكان. المباراة الثالثة جمعتني بصاحب الكاسكيطة الزرقاء. بدأت اللعبة، شاركني فؤاد من البداية.كثيرة هي الأخطاء التي ارتكبتها. حظ فؤاد لم يكن أفضل. ما هدا النحس؟ و هل هو نحس حقا أم استبدال لبعض مكونات الشخصية بأخرى غير سليمة؟! لا يهم، فالأمر لا شيء بالنسبة لي، لقد تآلفت مع هده الأمور في حياتي، ألست مدمنا؟ خسرنا المباراة بالطبع. هدا معناه الرحيل. على الأقل لم أعد وحدي.ألح فؤاد على الدهاب الى مقهى ميكي المجاورة، مقهى خاصة بلعب القمار وتدخين كل ما هو ممنوع. كنت رافضا، أفضل الحديقة أو المخدع المقابل للمحكمة القديمة. كنت رافضا لكني قبلت، فالجو بارد و قد تمطر. عند وصولنا بعد دقيقة وجدنا الباب مغلقا، غريبة!! العاشرة و النصف مساءا، ليس من العادة!! هل كان هناك اجتياح أمني للمقهى أم أُغلقت لظرف طارىء الليلة؟! لا يهم، فقد ولى زمني بهده المقهى، ولى و لربما سيرجع. مقهى غريبة في بلد غريب. هي و مقهى السعديين و أخريات لن تنمحى دكرياتي بهم أبدا. هدا وعد قطعته على نفسي مند اخترت مبادئي في الحياة. دكرياتي هي حياتي، هي وقودي حتى مماتي. جلس فؤاد في باب عمارة لتناول سندويتش المعقودة. دهبت أنا لأفرغ مثانتي على بعد زقاق. رجعت اليه فوجدته أكمل عملية الابتلاع. اتفقنا على الرجوع الى مقهى السعديين رغم أن الوقت متأخر. في المقهى تناولت سندويتشي و أبرمت جوانا مدني به. لقد استلم أجر أربعة أيام قضاها في نشاط ثقافي بكلية الآداب-السويسي. 50 درهما لليوم مدخول جيد بالمقارنة مع مدخولي أنا، مدخول يثير الأعصاب و يسقطني أكثر في بؤر الانحلال، الادمان و سب كل شيء. سوف أنتقم، هدا أيضا وعد. فلأدخن اللفافة المحشوة و أحتسي هده القهوة المهرسة و لأتبوق حتى أسرح في العالم الآخر باحثا عن خطة للهجوم. أعلم أنني لن أجدها لكنني مجبر على أداء الدور كل يوم. انضم عبد الغني الحارس الليلي بالجوار الى طاولتنا.شخص لطيف بحق. أخبرنا أن شخصا في حي السلام قام بقطع عضوه التناسلي مند حوالي ثلاثة أيام. قطعه بسبب امرأة. آه! يا له من خبر! وأنا آخر من يعلم! ترى ما تفاصيل الواقعة؟ هل هي قصة حب و هده نهايتها؟ هل هي علاقة يحتل الجنس الكثير من خيوطها؟ أم مادا؟ لا يهم، فلأقنع بما التقطت أدناي من كلمات و لأترك الخيال يصور لي المشاهد. الرأس الآن مدندن و الوقت يمضي، فلتتوقف ساعة الحائط أو تستمر، سواسية عندي. لم يعد الزمن يعني لي شيئا. انها النسبية، أنا من أبرز تطبيقات هده النظرية. نظرية لو عشت في العصر الحجري و لي لسان لكنت صاحبها. عدت الى الوعي بمتابعة أخبار القناة الثانية. ضمن العناوين ملتقى ما لمسرح الشباب. آه! كم أعشق المسرح و كم أعشق غيره من الفنون! حقا أملي في هده الحياة أن أصبح فنانا. لا أجد نفسي في أي عمل آخر غير الفن. رجائي في الله و في قلبي و ان شاء الله ستكون هاته الكلمات هي بوابتي. في منتصف الليل ودعت فؤاد و قصدت المرقد، لا مفر من العودة الى نقطة الانطلاق. دخلت فوجدت النور مطفئا، لقد ناموا. في المطبخ لم أجد شيئا يفتح شهيتي. على كل فبطني في حالة اشباع. غسلت رجلي، غيرت ملابسي، أعددت سريري ثم أشعلت التلفاز. أنها السهرة، مسلسلات أمريكية على الشاشة. استمريت في الفرجة حتى اقتربت الثالثة. مللت التلفاز، جهاز لا يكف عن الابهار، أداة من أدوات الاستعمار الفكري لسكان البسيطة. وسيلة تكليخ و تدمين (من الادمان) للعقل البشري. على أي حال فقد أطفئته لأشرع في أهم فقرات يومياتي. انها المدة التي تسبق موتي اليومي كل ليلة. أصفى الأوقات للتفكير ولا شيء غير التفكير. خلاصة اليوم، الأسبوع، الشهر، السنة و خلاصة حياتي في هدا الوجود الكئيب. هده الليلة محور أفكاري هي مونية، بنت مراكش التي تعارفت عليها في الميسنجر و التي ربطت معها علاقة رجل بامرأة. كم أحببتها و كم تألمت لفقدانها. لقد كانت السبب الرئيسي لأول زيارة لي لمراكش. لم أظن أنني سأزور المدينة الا بعد سنوات. المهم أنها الأولى في حياتي التي وددت ملاقاتها و خطبتها للزواج بي. لا أعرف كيف أشرح الأمر، ليس لي بعد دلك اللسان القادر على وصف و ترجمة المشاعر. كل ما في الأمر أنني أحببتها و كنت قريبا من قفص الزواج من أجلها. للأسف تطورت الأمور في غير مجاريها و انقطعت علاقتي بها مند الصيف الماضي. لكن لا زال هناك أمل، بحثت عنها في الشبكة العنكبوتية فوجدتها في موقع الفايسبوك. لم أجد صورتها لكني متأكد أنها هي. أرسلت لها دعوة لأنضم الى لائحة أصدقائها فقبلتني. هدا دليل خير. الدليل الآخر هو أن صديقا مشتركا يجمعنا. اندهشت لما عرفت من هو، لكن التفسير سرعان ما وجدته. انه (و.ب) صاحب نفس اسمي و لقبي. لقد كان من أصدقاء صديقة لابنة عمتي. لا يهم فأنا لا أعرفه. يجب علي الآن أن أجد الوسيلة المثلى لربط الاتصال بها. موقع فايسبوك غير ملائم، لا أرتاح له لكثرة تشعباته و لأول عهدي به. سوف أرسل لها رسالة على بريدها الالكتروني، هدا أحسن. فقط يجب اختيار الكلمات بطريقة دكية. هده هي المعضلة لكن لا شيء يصعب إدا توفرت الظروف الملائمة للعملية. كم أتوق للزواج يا الهي! و كم أتوق الى حياة عادية مع حبيبة و نسل مبارك! انه مفتاح سعادتي الحقيقية و مفتاحي الى الجنة بادن الله. هو منقدي من هده العدمية، عدمية اليأس و الماضي، عدمية الانسان و الطبيعة. أسترجع هده الأحداث الخاصة بليلة أمس و أنا جالس بمقهى السعديين. الساعة حوالي الثانية بعد الزوال. لقد مرت صبيحة هدا اليوم جيدة.ما أحلاها من فكرة! أهم شيء قمت به في حياتي، الكتابة. لكن وقت الرحيل أزف. المسؤول عن المقهى يطلق تهديدات بتنظيف المقهى. يريدني أن أتوكل على الله و أدهب. اللئيم. سوف أدهب، هل في دلك شك. لكن صبرا قليلا حتى أنهي هدا العمل. أولا سأرجع الى البيت بدون تعبئة الهاتف، سأعبئه في المساء. لا أريد خيطا رابطا بين ما حدث أمس و بين نقود اليوم. سأقضي بقية النهار متبحرا في الحاسوب. لدي الكثير مما علي فعله. بالنسبة لمباراة السلك العادي لرجال السلطة سأبدأ غدا أو بعد غد في الاستعداد لها. سأبحث أولا عن بطاقتي الوطنية التي اختفت. سأملأ المطبوع و تصريح الشرف و سأجد كيف آخد صورة جديدة لي. بالنسبة لكشف النقط لسنوات الدراسة العليا فيجب أن أنتظر حتى الأسبوع القادم. اننا الآن في الاجازة الربيعية. [email protected] http://walidabderrahim.maktoobblog.com