استطاعت هذه الفتاة المغربية أن تحطم مصطلح ُفو كُوْمْبرا الذي لقبت به جاليتنا الأولى منذ الثمانينيات , والذي يرمز إلى الباعة المتجولين , وأن تصحح مفهوم كلمة ماروكينو التي أمست تنحصر في الإنحراف وسوء السمعة والتخلف , وهذا عائد إلى عدة اعتبارات .منها ما هو ثقافي وماهو إقتصادي وإجتماعي . كما أن الشعب الإيطالي هو الآخر لم ينفض عنه غبار الهجرة بعد , ولم يكن مستعدا لحضون الآلاف من المهاجرين المنكبين من جميع بقع الأرض قبل تطبيق تأشيرة الدخول على كل من لاينضم إلى المجموعة الأوروبية. ومن ناحية ثانية كون الجيل الأول يتمثل في أفراد عُزل قدموا للإسترزاق في أزقة وأسواق إيطاليا وبحلول التسعينيات بدأت الحياة تدب شيئا فشيئا في عروق هذه الجالية بقدوم فئات متنوعة من الشباب ذات مستويات علمية وكفاءات لم تلق في يوم من الأيام العناية اللائقة بها والتي بقيت جامدة تتبخر و تذوب كالشمعة التي تضيء الغير وتموت ببطء كبير.إذ قبلت بأعمال لاتتناسب مع مؤهلاتها وقدراتها العلمية والعملية من أجل الإستمرارية وضمان لقمة عيش نظيفة, وتماشيا مع الظروف المحتمة عليهم إستطاعت مجموعة من الكوادر التخصص في وظائف إجتماعية. كوسطاء ثقافيين لغويين واجتماعيين لخدمة هذه الجالية والتناسق في مع جمعيات لها علاقات مع القنصليات واكتفى غيرهم بما جادت به سوق العمل من وظائف لا يرغب فيها المواطن الإيطالي أو لا تتلاءم مع هويته و طموحاته . ورغم كل هذه العوامل التي لاتخدم جاليتنا بدأ ت نواة الأسر تتكون شيئا فشيئا , وبدأت بعض الرؤوس تطفو على السطح مبشرة ببدء تغيير في المنظومة على حين غرة رغم التمييز و الإحساس بالمضايقات على أكثر من صعيد عند الإحتكاك بالآخر . بدران كوثر الفتاة المغربية البيضاوية التي ترعرعت في كنف أبيها السيد بدران محمد , وأمها السيدة ناجيح السعدية . وأختها بدران ضحى الطالبة بكلية الطب السنة الأخيرة , وبدران بدر الطالب بكلية الطب , بدران ياسين بالباكالوريا وبدران حارث بالثانوي. صورة جميلة ومشرفة تبارك الله , عقبى لنا يارب نفرح بجميع أبنائنا وبناتنا داخل وخارج أوطاننا. أحسست بالشرف وأنا أكتب هذا المقال رغم أن هناك من الإخوة الصحافيين والصحافيات من سبقني لأنني وجدت في الموضوع سر ينقص آباءنا وأمهاتنا وأحببت أن أقربه للقارئ العزيز من أجل الفائدة والإقتداء : أولا : أن يفهموا أن المساواة بين الإناث والذكور هو سبب نجاح هذه الأسرة . ثانيا : إعطاء أبنائنا الفرصة لكي يعبروا عن آرائهم ونمنحهم الثقة والحرية بعد تلقينهم ماهو نافع وجميل, ونتركهم يتعلمون من أخطائهم في مسار الحياة. ثالثا : أن نتقي الله في زوجاتنا وأزواجنا وأبنائنا وبناتنا. أتممت كوثر والحمد لله كل أطوار دراستها بالتفوق منذ الإبتدائي إلى الإجازة ثم أخيرا إلى حصولها على الدكتوراه في القانون الأوروبي والدولي، تمت مناقشة بحثها أمام لجنة من الدكاترة ذووا التخصصات المختلفة في القانون ليس بالسهل على طالب أجنبي أن يصمد أمامها, وقد صفقت لها لحصولها على التفوق ونحن نصفق لها الآن لأنها تعد أول مغربي يحصل على الدكتورة في القانون بإيطاليا. تخرجها من أرقى جامعات الحقوق بإيطاليا “ جامعة طرينطو “ الموجودة بجهة الترينتينو الإقليم المستقل المحادي للنامسا وألمانيا يعطيها صفة مميزة لما يعرف على خريجي هذه الجامعة . تزاحم عليها الإعلام منذ شهرين تقريبا وهنئتها شخصيات من صانعي القرار السياسي بشمال إيطاليا ومنها من يريد انضمامها إلى حزبه وترشيحها على قائمته . بينما لم يهنئها أي مسؤول مغربي لا من داخل المغرب ولا من خارجه في حين داع صيتها في كثير من البلدان العربية ولم تهتم بها الصحف المغربية وكأن الأمر لا يهمها بالذات. أين هو دور الإعلام الجاد لخدمة هذه الجالية المغربية المنسية بإيطاليا إلا من نشر ما يشوب سمعتها فقط لا من يرفع رأسها أمام بقية دول العالم .فلا غرابة في ذلك فقطران البلدان أضحى عسلا في أفواهها, لما عسل بلادها أمسى قطرانا. فهنيئا لدكتورتنا الصغيرة وهنيئا للجالية العربية والإسلامية وطبعا هنيئا لكل مغربيات ومغاربة العالم . والحمد لله أن بدأ الدفء يدب من العدم وطول المسير وشحابة الإعصارات وقسوة الظروف في صفوف إخواننا بهذا الجزء البارد من منطقة شنغن وبدأنا نرى كنساء ورجال أبناءنا من الجيل الثاني يفرضون قدراتهم ويقفون جنبا لجنب بصفوف صناع القرار بهذا البلد الأوروبي الذي يعرف تجاوزات كبيرة في حقوق الإنسان المهاجر . وبشرى للمرأة العربية بهذا الإنجاز التي ولدت الأبطال ومازالت لحد الآن تلد من حين لآخر.