انطلقت بداية الشهر الجاري أشغال مشروع حماية مدينة طنجة من الفيضانات، الذي يهدف إلى تجنب تكرار الأضرار والخسائر التي تسببت فيها الأمطار الغزيرة التي تهاطلت في مثل هذا الوقت من السنة الماضية، متسببة في توقف حركة الإنتاج بعدد من الوحدات بالمنطقتين الصناعيتين امغوغة والمجد، فضلا عن غرق مجموعة من الأحياء السكنية بالمدينة. ومنذ إعطاء جلالة الملك محمد السادس لتعليماته السامية قصد إقامة البنيات الأساسية الضرورية لحماية المدينة والمناطق الصناعية التابعة لها من الفيضانات، باشرت المصالح المعنية القيام بدراسات جغرافية وهيدروليكية لتحديد البنيات التحتية الكفيلة بحماية المنازل والمنشآت الصناعية من خطر الفيضان. وقد خلصت الدراسات التقنية إلى ضرورة القيام بمجموعة من التدخلات المتكاملة، التي تراعي البعد البيئي، على مستوى وادي امغوغة للتحكم في صبيبه المائي الأقصى في حال التساقطات الغزيرة والاستثنائية، كما كان الحال عليه في 23 أكتوبر من السنة الماضية التي شهدت تساقط حوالي 196 ملم في أقل من خمس ساعات. مخطط بقيمة 291 مليون درهم لحماية المنطقة الصناعية لمائة سنة مباشرة بعد فيضانات السنة الماضية، سرعت وكالة الحوض المائي اللكوس من وتيرة إنجاز الدراسات التقنية المتعلقة بحماية مدينة طنجة من الفيضانات، وقد خلصت هذه الدراسات إلى تحديد مشروع بقيمة 291 مليون درهم سيجري تنفيذه على مرحلتين، تروم الأولى توسعة قناة وادي امغوغة على طول 5ر7 كلم، بينما سيتم خلال الثانية بناء سدين للتحكم في صبيب الوادي في الأوقات الممطرة. وأشارت وثيقة لوكالة الحوض المائي اللكوس إلى أن اعتماد هذه المنشآت لحماية المنطقتين الصناعيتين من الفيضانات جاء بعد "دراسات أخذت بعين الاعتبار النمط الدوري للمناخ من أجل الرفع من جودة المعايير التقنية للمنشآت ومردوديتها الاقتصادية، بالنظر إلى العلاقة بين كلفة مشروع الحماية وحجم الخسائر المحتملة التي يمكن تفاديها مستقبلا". في هذا الصدد، أضافت الوثيقة إلى أن السلطات العمومية آثرت اعتماد مخطط حماية يمتد لمائة عام بالنظر إلى الرهانات الاقتصادية للمناطق الصناعية المتضررة. ولعل مستوى إجراءات الحماية التي وقع عليها اختيار السلطات العمومية في هذا الصدد يجد علته في حجم الخسائر النهائية التي أعلنت عنها جمعية المنطقة الصناعية لطنجة، حيث قدرت الجمعية الخسائر المباشرة وغير المباشرة لهذه الفيضانات في حوالي مليار و300 مليون درهم، بالإضافة إلى الصعوبات التي واجهتها بعض الوحدات الصناعية في استئناف نشاطها الإنتاجي. التحكم في صبيب وادي امغوغة مفتاح نجاح المشروع يتمحور التصور التقني لمشروع حماية المنطقة الصناعية لطنجة، التي أنشئت سنة 1975، حول التحكم في صبيب وادي امغوغة الذي يحيط بالمنطقة الصناعية عبر توسعة قناة الوادي وبناء سدين على روافده. وقد انطلقت أشغال توسعة قناة الوادي منذ بداية الشهر الجاري، حيث تهدف هذه الأشغال، التي رصد لها غلاف مالي قيمته 171 مليون درهم، إلى ضمان تحمل الوادي لصبيب قدره 500 متر مكعب في الثانية، وهو الصبيب الذي يفوق بمائة متر مكعب حجم المياه التي تسببت في فيضانات السنة الماضية. وأبرز رئيس قسم الماء بوكالة الحوض المائي اللكوس السيد عبد الله المهبول إلى أن تأهيل وتقوية قناة وادي امغوغة كان من بين المشاريع المتضمنة في مخطط التأهيل الحضري لمدينة طنجة، غير أن فيضانات سنة 2008 سرعت من وتيرة هذه الأشغال. وعن أبعاده التقنية، أشار المسؤول إلى أن طول القناة الجاري توسعتها يبلغ 5ر7 كلم، تمتد من القنطرة على الطريق الوطنية رقم 2 (بين طنجة وتطوان) إلى غاية مصب الوادي في خليج طنجة، وسيصل عرضها بعد نهاية الأشغال إلى حوالي 40 مترا. وأضاف أن بناء السدين، باستثمار قدره 120 مليون درهم، سيمكن من التحكم في صبيب الوادي عبر حصر المياه خلال الأوقات الممطرة، ثم تصريفها بعد ذلك، حيث من المنتظر أن يتم الشروع في بناء المنشأتين خلال السنة المقبلة (2010) على مستوى "عين مشلاوة" و"بني عامر"، مشيرا إلى أن حقينة السدين ستتراوح بين 500 و600 ألف متر مكعب. استعادة رونق وادي امغوغة من بين رهانات المشروع بالإضافة إلى الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لهذا المشروع، كان الانشغال بحماية الوسط الطبيعي ضمن التصور الأولي لتأهيل وادي امغوغة من أجل استعادة رونقه وجماليته باعتباره أحد المتنفسات الطبيعية التي كانت ساكنة تحج إليه في الماضي. ففي إطار مشروع تأهيل خليج طنجة، يتم إنجاز مشروع لعزل المياه العادمة عن مصبات الأنهار، وتحويل اتجاهها عبر مضخات إلى محطة التصفية التي تم بناؤها وراء ميناء المدينة، إذ من شأن هذا المشروع أن يقلل من حجم تلوث الوادي. كما ستتم تهيئة ضفافه وتأهيلها وفتح مساحات خضراء على جنباته حتى يتمكن السكان من استغلال الوادي كمتنفس طبيعي، إذ من المنتظر أن تتطلب أشغال التوسعة وتهيئة الضفتين نزع ملكية أراض على مساحة 5ر10 هكتار. ومن بين ضمانات نجاح المشروع اعتماد إنجازه على مقاربة تشاركية تراعي مطالب الساكنة والمهنيين والسلطات العمومية، إذ سيجري تعبئة الغلاف المالي لإنجاز هذه الأشغال بتعاون بين كتابة الدولة المكلفة بالماء والبيئة ووكالة تنمية وإنعاش أقاليم الشمال وولاية طنجة - تطوان والجماعة الحضرية لطنجة ومديرية تهيئة الأحواض المائية.