شمس الظهيرة تلفح بشرتها الشاحبة ، والألم يعتصر قلبها اعتصارا ويزيد تجاعيد وجهها عمقا و تجذرا ، وهي تجر رجليها جرا نحو بيت ابنها وكلها شوق لرؤيته . وصلت إلى بيت ابنها ، عفوا "براكة" ابنها ، ب "الكريان" المتاخم للمدينة .. قرفصت فوق حصير رث ممزق تسترجع أنفاسها في انتظاره ... دفع الباب بعنف ، وبدون استئذان !!! اختلجت فؤادها رغبة في ضمه إلى صدرها . اندفع بجسده المدكوك وقسماته الغليظة وسحنته المكفهرة ، كثور هائج. سلم سلاما ينذر بالويل .. وقف قبالتها عاقدا ذراعيه على صدره ، اقتحمها بنظرة متعالية ، رافعة خافضة تومض بالشر والكراهية ، وفي حركة هستيرية أزاح طاقيته البيضاء عن شعر رأسه الكث المغبر.. ألقى بها على الأرض الفارغة من أي أثاث إلا الحصير الممزق الوسخ .. تزعزعت البراكة من زعيقه المرعب ، مسائلا المرأة المذعورة : وووووامي واش ما بغتيش تحشمي وترجعي لله ؟ تدافعت دقات قلبها .. ارتجف جسمها الضامر ، انطفأت ابتسامة اللقاء ، هامت عيونها المتعبة في عوالم العجب ، أدركت أن الأمر يتعلق بوجهها السافر ، ككل مرة !! صمت متوتر خانق ، استجمعت قواها ، ابتلعت ريقها ، وأجابت بنبرة واجفة مضطربة !!! مناش غادي نحشم يا حبيبي ؟ ما كنسرق ما كنخطف ؟ وأنا مسلمة ، وتنقول لا اله إلا الله ومحمد رسول الله ، تنصلي ، وتنصوم ، وتنعرف الله .. انتفض مكفهرا يزفر الغضب في الهواء ، منذرا ، متوعدا : آلالة لا تصلي ولا تصومي ولا تقوليش حتى لا اله إلا الله ومحمد رسول الله ، غير غطي وجهك ، راه الله هو الي أمر بذاك الشي .. توقفت عن لوك قطعة الخبز الحافي التي لم تستطع بلعها ...سلمت على زوجة ابنها المكومة في سوادها بإحدى زوايا البراكة وانصرفت دامعة منكسرة .. تحول بكاؤها الصامت إلى إجهاش وتنهدات عميقة تم إلى صراخ وعواء مخضب بسيل من الأدعية ، أثارت انتباه المارة .. تجمع الناس حولها يستفسرون عن سر بكاء المرأة ونحيبها .. أخبره الناس بعدها الابن أن أمه على فراش الموت ، عقد حاجبيه مرددا ( زيارة الكفار حرام ) .