ينظر المراقبون بالكثير من الحذر لما يمكن أن تؤول إليه العلاقات المغربية الإسبانية بعد فوز المعارضة اليمينية الإسبانية بالانتخابات التشريعية الأخيرة بتاريخ 20 نونبر خمسة أيام قبل الانتخابات التشريعية المغربية ممثلة بالحزب الشعبي، وبنتيجة لا غبار عليها، منحته الأغلبية المطلقة من حيث عدد المقاعد وحصوله على186 مقعدا من أصل 350 في الانتخابات التشريعية الاسبانية الأخيرة. وقد لطف من هذه التوقعات السلبية مبادرة الحزب الشعبي الإسباني إلى تهنئة حزب العدالة والتنمية بفوزه الكبير في الانتخابات التشريعية الأخيرة. وكانت قد التقطت صور لرئيس الوزراء الحالي ماريانو راخوي في مليلية المحتلة خلال الحملة الانتخابية الماضية للتشريعيات الإسبانية وهو يعانق فيها مسلمات بالجلباب المغربي، أثارت الكثير من الجدل الإعلامي. واعتبرها بعض المحللين رسالة موجهة إلى المغرب، تعكس دعم ماريانو والحزب الذي يتزعمه، لاستمرار احتلال هذه المدينة المغربية. وقد شكلت مدينتا سبتة ومليلية المغربيتين المحتلتين محطتين أساسيتين في تحركات زعماء الحزب الشعبي، حيث بدا أنصار الحزب الشعبي اليميني بمليلية المحتلة متفائلين، وهم يحثون سكان المدينةالمحتلة، على التصويت بكثافة لصالح المرشح اليميني الذي وضع مدينتي سبتة ومليلية في صلب البرنامج الانتخابي للحزب، في أفق استقطاب أصوات الناخبين الإسبان خاصة في الثغرين المحتلين. وتميز موقف الحزب الشعبي من ملف الصحراء خلال الحملة الانتخابية، بالتأكيد على اعتزامه العودة إلى الحياد الفعال، إلا أن هذه العبارة تستوجب الانتباه، فيما قد يتم تأويلها في اتجاه دعم أطروحة البوليساريو. ويرى بعض الملاحظين الاسبان، أن ماريانو راخوي الذي سيرأس الحكومة الإسبانية يعتبر هو زعيم معسكر أقل تشددا من معسكر سلفه خوصي ماريا أثنار، إلا أن صعود اليمينيين الإسبان في الانتخابات الأخيرة لكون برامجه المقدمة هي الأكثر إقناعا للناخب الإسباني، وإنما يشرح المراقبون ذلك، بكون الاسبانيين لم يملكوا خياراً آخر، بل إن العديد من المتعاطفين مع الحزب الاشتراكي فضلوا عدم التوجه إلى صناديق الاقتراع. وقد صوت الناخب الإسباني لصالح الحزب الشعبي لأنه لم يجد حزبا آخراً يتمتع بنفس القوة السياسية ليصوت له، وهو سر انتعاش الأحزاب الصغرى، كما أنه كان تصويتا عقابيا نظرا لتراخي الحكومة الاشتراكية في مواجهة تبعات الأزمة الاقتصادية أو على الأقل الحد منها. لكن المهتمين بالشأن المغربي الاسباني، يرون أن خطاب المعارضة ليس نفسه خطاب الحكم، والحزب الشعبي سيكون ملزما بضبط نفسه، والتعاطي بروية مع جاره المغرب، لأنه ليس من مصلحته أن يضاعف مشاكل البلاد التي تنتظره، اللهم، يقول هؤلاء، إن أراد استخدام فهم متجاوز، لا يصلح إلا في الأنظمة الشمولية، وهو "تصدير الأزمة الداخلية إلى الخارج. السيد الأول في اسبانيا اليوم يعي جيدا حجم الواقع الاقتصادي الذي ينتظره، وقد بدا هذا واضحاً في أول خطاب له بعد إعلان نتائج الانتخابات التشريعية، حيث اعتبر أن العدوّان الأولان لبلاده هما: "البطالة والأزمة"، ولا يبدو متحمساً للدخول في مناوشات مع جار الضفة الجنوبية، المغرب، وهو بحاجة ماسّة للتركيز على المشاكل الاقتصادية الداخلية للبلاد. وبذلك فالصراع الممكن بين البلدين الجارين سيكون ذات مضمون إقتصادي لأن له أولويته الخاصة في أجندة حكومة مدريد، بالنظر إلى التزاماتها الداخلية أو الأوروبية الحزب الشعبي معروف بمواقفه المتشددة تجاه ملف المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، و التي يتنازع المغرب واسبانيا حول السيادة عليهما، ولا يبدي هذا الحزب أية مرونة عندما يتعلق الأمر بملف المستعمرات كما حصل مع قضية جزيرة ليلى المعروفة، التي قرعت فيها طبول الحرب عندما كان في الحكم، ولولا تدخل كل من الولاياتالمتحدة و فرنسا، لكادت الأمور، بحسب ملاحظين، أن تنتهي بحرب حقيقية. هذا بالإضافة إلى موقفه الداعم للبوليساريو، من خلال عمليات كثيرة يأتي في مقدمتها تأييده للمنظمات الإسبانية و الصحراوية، التي تساند طرح البوليساري. و يتذكر المتتبعون المغاربة كيف حرك آلياته لإدانة الرباط في أكثر من قضية مرتبطة بالصحراء إن فشل القوى السياسية في المغرب في التواصل مع الحزب الشعبي الإسباني بطريقة تقوي من الاعتبارات المغربية عندما يجنح هذا الحزب إلى إصدار مواقف تخص بلدها ويذكر أن الحزب الشعبي ورث وضعا اقتصاديا وسياسيا في العلاقات المغربية الاسبانية، أبرز عناصره تحول إسبانيا إلى الشريك التجاري الثاني الأساسي للمغرب في سنة 2010 . وكان رئيس الحكومة المغربية والأمين العام لحزب الاستقلال، عباس الفاسي، قد بعث يوم الثلاثاء 22 نونبر برسالة تهنئة لزعيم الحزب الشعبي الإسباني، ماريانو راخوي، بعد فوزه في الانتخابات العامة، دعاه فيها إلى تعزيز علاقات الصداقة بشكل أكبر بين الحزبين والبلدين. وأعرب السيد عباس الفاسي بصفته أمينا عاما لحزب الاستقلال في الرسالة التي بعثها ونشرها الحزب الشعبي يوم الأربعاء بموقعه الالكتروني، عن تهانيه الصادقة لراخوي بعد حصوله على أغلبية مطلقة في الانتخابات الإسبانية التي جرت الأحد الماضي فيما تطرح عدد من التساؤلات الوجيهة حول العلاقة المرتقبة للحزب الشعبي الإسباني مع حكومة العدالة والتنمية بالمغرب، حيث ينبغي التسجيل وبإيجابية مبادرة الحزب الشعبي الإسباني أول أمس غلى تهنئة حزب العدالة والتنمية بمناسبة فوزه في الانتخابات الأخيرة ومدى التعاطي الإيجابي الذي كان واضحا من خلال بيانه المنشور على موقعه الإلكتروني والذي ذكر من خلاله بالعلاقات التي مافتئت تجمعه بحزب العدالة والتنمية منذ سنة 2005، وينبغي التذكير في هذا الصدد بالاستمدادات والمرجعية المحافظة لهذا الحزب اليميني الإسباني حديث النشأة منذ سنة 1989 ومعناه أن الفوارق المرجعية بين الحزبين وتحمس كل منهما لأولوية مدينتي سبتة ومليلية في برنامجه السياسي قد يدفع نحو كثير من التوجس حول مستقبل العلاقات بين الحزبينوالحكومتين، لكن طبيعة المصالح المشتركة القائمة بين البلدين في عديد من المناحي السياسية والاقتصادية تجعل التعاون بين البلدين ومن تم الحزبين مصيرا حتميا خاصة مع الظرفية الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الجارة الإسبانية في الوقت الراهن. وإذا كان الحزبان لم يربطا أية علاقات تشاورية أو تعاون فيما بينهما في الماضي، بالنظر للحجر المفروض على حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية والذي جعله دائما تحت مجهر الرقابة وشبهة الارتباط بجهات أجنبية . وقد شكلت مواقف العدالة والتنمية المركزية أو المحلية خصوصا بإقليم طنجة حيث نظم الحزب بهذا الإقليم عددا من الوقفات الاحتجاجية ضد مواقف الحزب الإسباني سواء من خلال احتلاله لجزيرة البقدونس "ليلى" أو بعض مواقفه الاستفزازية في مدينة سبتةالمحتلة، أو من خلال مشاركة الحزب في المسيرة الوطنية المشهودة والتي شاركت فيها مختلف الفعاليات الوطنية السنة الماضية بعض الموقف العدائي الذي كشف عنه هذا الحزب اتجاه القضية الوطنية والصحراء المغربية سواء من خلال تقديمه لمقترح مشروع القرار الأوربي الذي أدان المغرب ومن بعده قرار البرلمان الإسباني. وعموما فإن هذه الأحداث قد جرت في سياقات تاريخية وسياسية واقتصادية مختلفة لا ينبغي أن تعكر صفو العلاقات بين الحزبين والشعبين المغربي والإسباني، مثلما جاءت مواقف حزب العدالة والتنمية في شكل ردود أفعال مبدئية وليست مواقف سياسية ثابتة تمنع أي تعاون مستقبلي مع هذا الحزب الإسباني ، خاصة في ظل تطلع العدالة والتنمية المغربي إلى نسج علاقات متميزة مع الجارة الشمالية التي تربطها بها علاقات حضارية متميزة ضاربة في التاريخ المجيد للبلدين، لا ينبغي اختصارها في إطار علاقات مركزية بين الحزبين ولكن ينبغي استحضار القرب الجغرافي والعلاقات التاريخية التي ظلت تربط جهة طنجة تطوان والمنطقة الشمالية عموما بالجارة الإسبانية (أنظر اتصلات التهاني التي تلقاها رئيس الحكومة الإسباني ماريانو راخوي والأمين العام للحزب الشعبي الإسباني على الموقع الإلكتروني لهذا الحزب والتي تشير أن أول وآخر رئيس عربي اتصل به مهنئا هو الرئيس الفلسطيني محمود عباس وأن آخر رئيس اتصل به مهنئا إلى حدود يوم الجمعة الماضي 25 نونبر هو الرئيس "الإسرائيلي" بنيامين نتانياهو). هذا في الوقت الذي تلقى فيه المغرب عددا من التصريحات والإشارات الإيجابية من كل من البرلمان الأوربي وعدد من الحكومات الأوربية والولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا، بما يستدعي مبادرة جادة وسريعة من الحكومة المغربية إلى طي صفحة العلاقات المضطربة التي كانت تجمع الدولة والحكومة المغربية ومختلف الأحزاب المغربية قاطبة بالحزب الشعبي الإسباني وقد عبرت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، يوم السبت 26 نونبر 2011، عن تهانئها للشعب المغربي عقب الإجراء "الناجح" للانتخابات التشريعية، مؤكدة أن ملايين المغاربة توجهوا إلى صناديق الاقتراع بمناسبة هذه الاستحقاقات، مضيفة في بلاغ صدر بواشنطن، "أريد تهنئة الشعب المغربي على إثر الإجراء الناجح للانتخابات التشريعية ليوم الجمعة ، وأكدت أنه "ومن خلال العمل مع الملك محمد السادس، فإن البرلمان الجديد والمجتمع المدني قادران على تطبيق مقتضيات الدستور الجديد، باعتباره خطوة إلى الأمام على درب تجسيد تطلعات وحقوق كافة المغاربة. وهكذا فقد أشادت فرنسا يوم السبت 26 نونبر 2011 ب"حُسن سير أول انتخابات تشريعية في المغرب منذ تعديل الدستور" في يوليوز الماضي، وفي هذا السياق قال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية "برنار فاليرو" في بيان "جرت الحملة في إطار احترام القواعد الديمقراطية عبر السماح بالعديد من الحوارات خصوصا في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية بمشاركة مجمل الأحزاب السياسية"، مضيفا "إن فرنسا تشيد بالعملية الطموحة للإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي بدأها الملك محمد السادس، وهي تقف بشكل طبيعي إلى جانب المغرب البلد الصديق والحليف الوفي، لمواكبته في إصلاحاته، وتعرب عن الأمل في أن يواكب تشكيل الحكومة الجديدة في إطار الدستور الجديد، تقدم جديد ونجاحات جديدة ولم تتوقف رسائل واتصالات التهنئة التي تلقاها حزب العدالة والتنمية حيث شملت عددا كبيرا من المواطنين وممثلي وقيادات عدد من الأحزاب محليا ومركزيا، كما تلقى الحزب بطنجة تهنئة من إحدى الجمعيات الفلسطينية التي ظلت تتابع الشأن السياسي المغربي ومواقف حزب العدالة والتنمية بطنجة من القضية الفلسطينية، بحيث عبرت عن فرحها الغامر وابتهاج الشعب الفلسطيني بهذا الفوز البين للعدالة والتنمية وطنيا ومحليا، وانتهزت الفرصة لتهنئة جميع المغاربة والساكنة الطنجاوية بهذا الانتصار