سؤال لابد أنه يستوقف شريحة كبيرة من مجتمعنا من المتقاعدين وممن هم في طريقهم إلى التقاعد، فهو سنة الحياة، إذ يكبر جيل ليخلفه جيل آخر. والحق أن عددا قليلا منا يفكر ويخطط لما بعد تقاعده، وكيف يستثمر وقته عوضا عن الشعور بالملل والضيق والفراغ. فكل مشروع ناجح لأبد أن يتم اختياره بعناية ودراسة إمكان نجاحه وسبل تحقيقه، والتخطيط الدقيق المسبق أساس نجاح أي مشروع، وفي نظري فإنه أهم مشروع في حياة الإنسان هو مشروع التعاقد. وبالتالي فالأمر مرهون بيدنا كيف ندير وقتنا بعد تقاعدنا؟ وكيف نملأ الفراغ الذي يخلفه غياب الوظيفة؟. ويعجبني في الغرب حيويتهم ونشاطهم في السنين المتأخرة من العمر، فلطالما سمعنا عمن بدأ دراسة جديدة بعد تقاعده ليلتحق بمهنة جديدة، أو من عمل على مشروع لم يتسن له العمل عليه من قبل، نعم.. إن النشاط والإرادة هما عاملان حاسمان في جعل التقاعد بداية لمهنة، أو مشروع أو دراسة، وليس نهاية حقبة تعقبها حقبة تتسم بالخمول والجمود والضجر. إن سعة الأفق والأمل بالحياة وإرادة العطاء تجعل من قدراتنا وقود تحرك مجتمعنا إلى الأمام، والقدرات الموجودة لدى الكثير من المتقاعدين كفيلة بتطوير مجتمعاتنا متى ما استثمرت استثمارا صحيحا، ووجهت نحو الخيارات الناجحة، وهنا أتقدم بالاقتراح التالي إلى الجهات المسؤولة عن التوظيف، وهو أن تنشئ قاعدة بيانات عن المتقاعدين تحوي تخصصاتهم وخبراتهم ومهنهم ومهاراتهم، ليتم تعميمها على مختلف المؤسسات للاستفادة منهم عند الحاجة. فلطالما يتوق الإنسان لتغيير مهنته ومزاولة مهنة جديدة، أو تغيير دراسته إلى حقل جديد، ولكنه يصطدم بواقع المعيشة ومتطلباتها ومسؤولياتها، فيدخل دوامة الحياة الروتينية التي تستهلك الإنسان وتمتص طاقاته وإبداعاته، وقد تكون فرصة التقاعد هي المفتاح للخروج من هذه الدوامة والبدء بعمل جديد بعد أن يكون المرء قد اكتسب العديد من الخبرات التي تجعل خياراته أنجح وأصوب، حقيقة هي فرصة لتجربة نمط مغاير للحياة واستكشافاته، والتعلم والاستمتاع بمساحة الوقت الذي يمتلكه الإنسان دون وجود ضغوط أو مسؤوليات كبيرة. فالإنسان هنا هو سيد نفسه ومدير مشروعاته والمحدد لأوجه صرف وقته كيف يصرفه وفيم يصرفه، فليبحث كل منا عما لم يستطع أن يفعله في مقتبل حياته، ويخطط للقيام به بعد تقاعده، لننظر إلى التقاعد كبداية الطريق وليس نهايته، طريق يمتد على مرمى البصر لا تحده حدود غير السماء وارض الله الواسعة الرحبة.