تشتد الحرب الدبلوماسية بين المغرب من جهة والجزائر وجبهة البوليساريو من جهة ثانية، وذلك غداة إعلان رئيس مجلس الأمن الدولي، سفير كولومبيا لدى الأممالمتحدة، "نيستور أوسوريو" بنيويورك، عن انعقاد مشاورات حول قضية الصحراء ما بين 15 و 27 أبريل، تخصص لبحث تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بشأن النزاع في الصحراء. ويحاول الطرفان توجيه الصياغة النهائية للتقرير بما يخدم موقفهما التفاوضي. هذا الصراع يزداد التهابا عقب ظهور تسريبات من مضامين التقرير، توقعت دعوة بان كيمون إلى توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل آلية مراقبة حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية. ومعلوم أن هذه الجزئية تشكل جوهر الحرب الإعلامية المشتدة بين الطرفين على بعد أيام قليلة من انعقاد مجلس الأمن الدولي حول الصحراء لإصدار قرار جديد بشأن تمديد مهمة بعثة الأممالمتحدة في الصحراء الغربية المينورسو، باختصاصات جديدة تأملها جبهة البوليساريو ويرفضها الجانب المغربي. وبالنظر إلى تشخيص تقارير المنظمات الحقوقية الدولية حول الوضع الحقوقي في الصحراء، يضع الموقف التفاوضي للمغرب على المحك. إذ تفيد بأن الأخير قد يفقد جزء من رمزية سيادته على الأقاليم الجنوبية، خاصة بعد تمكين المينورسو من مراقبة الوضع الحقوقي بالمغرب. ذلك أن مختلف هذه التقارير تجمع على توسيع اختصاصات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة الوضع الحقوقي في الأقاليم الجنوبية. ويتعزز تهديد رمزية المغرب يوما بعد يوم بسبب الزلات الكبيرة التي ارتكبتها السلطات المغربية في تدبير عدد من الملفات في الصحراء، وكلفته تشويها حقيقيا لصورة المملكة المغربية، ففقدت البريق الذي اكتسبته من خلال نتائج هيئة الإنصاف والمصالحة. وحيث إن المغرب قد حقق تقدما ملحوظا في فرض سيادته على الصحراء، فإنه بالمقابل يتعرض لحملة تشويه قوية يقوم بها الخصم الجزائري وجبهة البوليساريو، ذلك أن المغرب الذي حصل على صفة الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوربي وهو ما يمثل اعترافا بتقدمه في مجال الحريات العامة والفردية، ويزيد من حنق خصومه، ولعل ذلك ما يجعل هجوماتهم لا تراعي ما دعا إليه المبعوث الشخصي للأمين العام كريستوفر روس الذي دعا الأطراف إلى تفادي التشنجات التي تهدم عامل الثقة بين الأطراف. وإذا كانت الضغوط الحقوقية الدولية على المغرب قوية فإن جبهة البوليساريو ليست بأحسن حال، حيث تتهمها التقارير الدولية بتمتيع عدد من المتهمين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في المعسكرات ليظلوا في منأى عن العقاب والمساءلة، وتعاطي عناصرها للإرهاب والاتجار في المساعدات الغذائية والمخدرات والسلاح والبشر... فإذا كانت البوليساريو تعول على الورقة الحقوقية لاستعادة قوة موقفها التفاوضي، فإن المغرب يعول على إشهار ورقة التشكيك في شرعية البوليساريو للتفاوض باسم الصحراويين، بإعلان وزارة خارجية المغرب في تزامن مع صياغة تقرير بان كيمون عن سحب دولتين افريقيتين اعترافهما بالجمهورية الصحراوية، وهما زامبيا وغينيا الجديد. وعموما فإن إعلان وزير شؤون خارجية زامبيا، السيد كابينغا باندي، بالرباط، من أن بلاده قررت سحب اعترافها ب"الجمهورية الصحراوية"، يعد ضربة قاسمة وجهتها الدبلوماسية المغربية لما تبقى من شرعية البوليساريو حين تتفاوض باسم الصحراويين، إذ يرتقب أن يتضمن التقرير إشارة إلى الحق في تمثيلية عادلة لكل الصحراويين. كما أعلن وزير الخارجية المغربي الفاسي الفهري عن قرار الدولة المستقلة لبابوزيا غينيا الجديدة بسحب اعترافها ب"الجمهورية الصحرواية" المزعومة ابتداء من 30 مارس 2011". انتشاء الدبلوماسية المغربية بهذا الاختراق الإفريقي، جاء واضحا في قول وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي الطيب الفاسي الفهري، بأن "مسلسل سحب الاعتراف بالجمهورية الصحراوية الوهمية مستمر وبشكل متواصل". وأضاف الفاسي الفهري أن "العديد من الدول في مختلف القارات قامت بإعادة النظر في مواقفها السابقة والتي اتُخذت في إطار وظروف دولية وإقليمية جد خاصة وأصبحت اليوم جد متجاوزة". ومعلوم أن أزيد 30 دولة إفريقية خلال العقد الأخير فقط، قد سحبت اعترافها بالجمهورية الصحراوية الوهمية، باعتبارها كيانا لا يتوفر على الشروط القانونية والسياسية الضرورية لبناء دولة، وتجاوبا مع المجهود الذي قامت به المملكة من خلال مقترح الحكم الذاتي الذي اعتبره مجلس الأمن جدي وذي مصداقية. ولقد أبقى المغرب نتائج هذا التحرك الدبلوماسي طي الكتمان ليفاجئ به البوليساريو في مناسبة لها أكثر من دلالة، وليعلن عن تدبير جديد قد يعلن عنه المغرب في مرحلة ما بعد الإصلاحات الدستورية، وتطبيق مشروع الجهوية الموسعة. والأكيد أن عزف المغرب على هذا الوتر وإن كان لا يرجى منه تحقيق نتائج في الآجال القريبة، لكنه يكشف عن استراتيجية جديدة لإدارة الصراع ضد جبهة البوليساريو، حيث يهدف إلى هدم شرعية البوليساريو التي تفاوض باسم الصحراويين أولا، واستحضار أصوات صحراويي الداخل المؤيدين لمقترح الحكم الذاتي. ويتعزز التوجه المغربي بإسقاط شرعية جبهة البوليساريو بعد الإعلان بباريس عن تأسيس حزب للدفاع عن حقوق الشعب الصحراوي بديلا ل(البوليساريو)، في أفق عدم الجلوس معها على طاولة المفاوضات بدعوى أنها لم تعد تمثل الصحراويين. هذا التطور في لهجة الرباط ينبئ عن وجود سيناريو يرمي إلى تعديل جديد في استراتيجيتها بشأن تدبير النزاع في الصحراء مع البوليساريو، هذا السيناريو يوضحه تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية خالد الناصري بالقول: "إن الرأي العام الدولي أضحى يكتشف يوما بعد آخر حقيقة الصورة الزائفة والمخادعة التي يروج لها (البوليساريو) على أنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الصحراوي"، وأن المغرب سيساند الأصوات الحرة والشريفة التي تريد أن تقول بحسبه إن هؤلاء (البوليساريو) لا علاقة لهم بالقيم التي يعبرون عنها، فسنساندها وسنتعاطف معها". وأضاف الناصري "إن الشعب الصحراوي تحت رحمة تلك الجماعة التي تسلطت على رقابهم"، مؤكدا بأن مناخا سياسيا جديدا أضحى يفرض نفسه يوما بعد يوم، وأن تغييرات جوهرية تلوح في الأفق". وأضاف أن هذه الأصوات إذا استطاعت أن تفرض نفسها فوق أرض الواقع، فلن تمنعهم أية قوة في العالم من المشاركة في المفاوضات والتعبير عن آرائهم". ويبدو هذا السيناريو أكثر قوة بالنظر للضغوط الكبيرة التي تهدد كيان البوليساريو من داخل المخيمات ومن خارجه. وعليه فإن المغرب بإمكانه إطلاق الحبل على الغارب في قضية الصحراء، وفرض الأمر الواقع إلى أن يتم التوافق أمميا على الممثل الشرعي باسم الصحراويين، يضمن تمثيلية صحراوي الداخل وصحراويي مخيمات تندوف، وصحراوي الخارج الذين أسسوا لهم إطار سياسيا جديدا بديلا لجبهة البوليساريو. ومما لا شك فيه أن ملف النزاع حول الصحراء، لا بد وأن يخضع لواقع التغيرات الدولية والإقليمية، ثورة تونس، وبداية انهيار نظام القدافي أحد الداعمين لجبهة البوليساريو مراحله الأخيرة. وبداية أفول نهج منظمة الاتحاد الإفريقي التي منحت العضوية للبوليساريو بدعم جزائري ونفوذ القدافي، وكلف المغرب انسحابا منها. وقد استشعرت جبهة البوليساريو نهايتها بانهيار حليفها التاريخي معمر القدافي، وهو ما جعلها تقوم عبر تحالف جزائري للعمل على دعم نظام العقيد بإرسال أفرادها للقتال إلى جانب صفوف كتائبه، في حين اصطف المغرب إلى رأي جامعة الدول العربية الداعية إلى فرض حظر جوي في ليبيا، وانتظامه إلى جانب الموقف الفرنسي والدولي الداعي إلى تنحي معمر القدافي، في حين ترفض الجزائر ذلك.