إن المجلس الوطني لحزب جبهة القوى الديمقراطية، المنعقد في دورته، عن بعد، يوم الأحد 31 ماي 2020، تحت شعار: "الإنسان ثروتنا…حقوقه التزامنا". وبعد الاستماع إلى التقرير السياسي والتنظيمي، الذي قدمه الأمين العام الأخ المصطفى بنعلي، حول الدلالات التاريخية القوية، الصريحة والرمزية، لانعقاد هذه الدورة في سياق التدابير الاحترازية، التي اتخذتها البلاد في مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد، وكذا حول الرسائل والتصورات والمقترحات والبدائل، التي يستشرف الحزب في ضوئها مستقبل البلاد. وانطلاقا من تدارسه للتغييرات الكبيرة التي فرضتها هذه الجائحة على حياة الإنسان في مختلف أرجاء العالم، بما يوضح حجم المأساة الإنسانية الفاضحة في ظل النظام الاقتصادي العالمي المسيطر، الذي برزت أوهامه، المرتبطة بالسوق الحر، والعولمة، ومؤسسات الائتمان الدولية، والشركات العابرة للحدود، وبكل القيم والمؤسسات المتسيدة، في منظومته القائمة على جشع الليبرالية المتوحشة، عارية ليس فقط بسبب فشلها في مواجهة الجائحة وتداعياتها، بل لكونها السبب في انتشار الفقر والهشاشة وإضعاف الخدمات العمومية، ومنها الصحة والتعليم، التي زادت من معاناة المجتمع الإنساني خلال هذه الجائحة، وبروز ملامح الأسوأ القادم بفعل سياساتها. واعتبارا لتشخيصه للوضعية العامة التي تعيشها البلاد، في ضوء التدابير التي اتخذتها الحكومة، تنفيذا لقرارات وتوجيهات ملك البلاد، الذي أبان عن تبصر وحكمة القائد الملهم، في استعمال صلاحياته الدستورية، المستمدة من موقع إمارة المؤمنين، ورئاسة الدولة، والقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية، لإطلاق مبادرات حازمة، تجعل الإنسان المغربي في صلب عمل وتحركات مؤسسات الدولة وسلطها التنفيذية والتشريعية والقضائية، لجعل الإنسان المغربي في صلب مواجهة هذه الجائحة ومخلفاتها، في محاور حماية الصحة والاقتصاد والحفاظ على السلم الاجتماعي. وتقديرا لهوية الحزب ونضاله المستميت من أجل بناء المجتمع الحداثي المتضامن، وفق تصور فكري شامل يتلمس انتظارات الإنسان المغربي في بلوغ مداخل وثمار التنمية المستدامة، ويدافع، في خط نضالي ثابت، عن الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية للمواطن والوطن. وللدينامية التنظيمية والإشعاعية ولجو التعبئة الجماعية، التي يعيشها الحزب بفعل عدد من القرارات التنظيمية، التي عززت دينامية هياكل وتنظيمات العائلة الفكرية لجبهة القوى الديمقراطية، وفتحت الباب أمام التحاق أطر وكفاءات حزبية وسياسية من مختلف التوجهات والحساسيات اليسارية الكامنة في المجتمع المغربي. وانطلاقا من خلاصات مناقشة مشاريع الوثائق المعروضة على هذه الدورة والمصادقة عليها بالإجماع، فإن المجلس الوطني لحزب جبهة القوى الديمقراطية يعلن ما يلي:
* تأكيده على أهمية أن يكون الإنسان محور التدبير المستقبلي للبلاد، تمثلا لعمق معاني ودلالات شعار الدورة، الذي اختاره الحزب عنوانا للمرحلة، لاستخلاص الدروس البليغة من تجربة الجائحة الكونية، التي لم تظهر فشل منظومة الليبرالية المتوحشة في مواجهة هذه الجائحة فقط، بل أكدت أنها السبب، بتغليبها لقيم الربح والحد من الخدمات العمومية، في تعميق المآسي الإنسانية، بما يقتضي رد الاعتبار للإنسان وتسخير كل المقدرات الممكنة لخدمته؛ * إشادته بالتدبير العام لأزمة جائحة كورونا وتداعياتها، بتوجيهات ومبادرات ملكية، عملت على تغليب مصلحة المواطن على الاقتصاد، وأبرزت دور الفعل التضامني، في تعبئة الجهود لتعزيز صورة الدولة الحاضنة والمجتمع المتكافل، وتجسيد الانخراط الجماعي للأمة المغربية موحدة في ملحمة وطنية جديدة، للملك والشعب، في الذود عن البلاد وحماية أمنها ومصالحها؛ * تشبثه بالذود عن مقومات الوحدة الوطنية، وملف الوحدة الترابية للمملكة، وترحيبه بمستجداتها التي تؤشر على استجماع مداخل الحسم النهائي لصالح الحقوق التاريخية المشروعة للمغرب، ودعوته الحكومة لإيجاد صيغ عمل من أجل تعضيد الوحدة الوطنية، عبر تقديم الخدمات الضرورية، لكل المغاربة أينما تواجدوا، بمن فيهم المغاربة المحتجزين بمخيمات تندوف، والمغاربة العالقين بالخارج في هذه الجائحة، ولعموم مغاربة العالم أينما تواجدوا؛ * دعوته لتدارك الأخطاء ومظاهر العجز التي شابت التدبير الوطني للجائحة، وأخذ العبر والدروس منها لاتخاذ ما يلزم لعدم تكرارها، وإعمال مبادئ الحوار والتشاركية لتنفيذ خطة الخروج النهائي من حالة الطوارئ الصحية، بالنظر لما يكتسيه السماح بعودة الحياة الاقتصادية والاجتماعية لطبيعتها من أهمية وحيوية في انشغالات الجميع، وفي الخطة العامة للدولة من أجل الحفاظ على الصحة والاقتصاد والسلم الاجتماعي؛ * دعوته لتسريع وتيرة الخروج التدريجي، السلس واليقظ من أزمة جائحة كورونا، وإنعاش الاقتصاد الوطني، من خلال خطة وطنية لإنعاش القطاعات الاقتصادية المتضررة، ترتكز على تشجيع الطلب على الاستهلاك وتفضيل المنتوج الوطني وتشجيع المقاولة المغربية، خصوصا الصغيرة والمتوسطة، وتأهيلها، عبر التمويل والمصاحبة ومراجعة سياسة الانفتاح الفج، لرفع تحديات تحقيق الاكتفاء الذاتي والمنافسة؛ * تأكيده على أن لا سبيل أمام المغرب للتقدم والنماء، من دون اعتماد وترسيخ الخيار الديمقراطي، الثابت وتلمسه في صميم الحياة اليومية للمواطنين، وفي مجتمع متعدد في مكوناته وروافده الهوياتية، وأن ضرورة هذا الخيار وحدها الكفيلة بانصهار هذا الغنى والتعدد في الوحدة، وبما يعزز تطلع المجتمع نحو مزيد من الدمقرطة والتنمية؛ * دعوته لتسريع عودة المجالس المنتخبة لتفعيل انتدابها، واستئناف الحوار حول المنظومة الانتخابية، في أفق إجراء الاستحقاقات المقبلة في موعدها القار، إعمالا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتحسبا لتوفير ضمانات إجراء انتخابات مختلفة عن كل سابقاتها، بما يعيد الثقة للمواطنين في المؤسسات وفي جدوى العمل الحزبي والسياسي وبما يؤهل البلاد لتحصين الخيار الديمقراطي والاستعداد لرفع تحديات ما بعد كورونا؛ * دعوته لتفعيل دور الدولة وإعادة تكييف تدخلاتها وفق الوظائف الجديدة للتنمية، والتركيز على أهمية القطاع العمومي والمرافق الأساسية للدولة المغربية، كالصحة والتعليم والسكن والشغل، باعتبارها القطاعات الضامنة لأمن المجتمع واستقراره وتطوره، والاتجاه نحو الاستثمار في الانسان منطلقا ووسيلة وغاية التنمية والنهضة والتقدم؛ * دعوته إلى تصحيح وتوضيح اهم الاختيارات التنموية، وفق تصور الحزب للنموذج التنموي الذي يقترحه، مشروعا للمجتمع المغربي للمرحلة القادمة، الذي يجعل من الإنسان المغربي محور التنمية والمؤسس على إصلاح الأنوية الأساسية، الأسرة، المدرسة، المقاولة والدولة، لبلورة سياسات عمومية نهضوية منتجة، تستجيب لتطلعات المغاربة وتحقق الاكتفاء والنجاعة والقدرة على التصدي للعوارض والطوارئ والتحديات؛ * مصادقته على تعديل تصورات الحزب للنموذج التنموي المغربي المأمول، مدونة الأسرة، إصلاح منظومة التربية والتكوين، مقترح الميثاق الوطني للصحة، "دخل الكرامة"، مقترح خطة وطنية لمحو الأمية والتأهيل المعلوماتي، مقترح خطة وطنية للانتعاش الاقتصادي وخطة العمل التنظيمية " استراتيجية انبثاق 2020″؛ * تثمينه وإشادته بحركية وزخم أنشطة مختلف تنظيمات الحزب الترابية والقطاعية والموازية، وما حققته من نجاحات سياسية وإشعاعية، تجسيدا للمهام الملقاة على عاتق الجبهة، كحزب منتج للنخب والأفكار، بما أبان عنه مناضلات ومناضلو الحزب، من قدرات ومؤهلات لإبداع الصيغ الممكنة لاستمرارية الاشتغال، استثمارا لما تتيحه التقنية والوسائط الرقمية، من أمكانيات، لتحدي إكراهات الجائحة؛ وفي الختام، والمجلس الوطني لحزب جبهة القوى الديمقراطية إذ يهنأ جميع عضواته وأعضاءه على ما بذلوه من جهود لإنجاح أشغال هذه الدورة، بما يقوي العزم الأكيد لجميع مناضلات ومناضلي الحزب للمضي قدما على درب تحقيق المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي التقدمي، يؤكد أن نجاح الحزب يتوقف على تقوية الذات التنظيمية وتأهيلها لمواصلة العمل على تنفيذ مشاريعه وتصوراته وأفكاره ومقترحاته، وإخراجها إلى الوجود، ومن خلال استعداده الدائم للمساهمة البناءة في تأهيل العمل السياسي والحزبي لاستشراف مستقبل المغرب المأمول.