هناك تصدّ لنجاح المراكز الجهوية من قبل «المحافظين» سواء على مستوى الإدارة المركزية أو الجهوية انطلق العمل بها خلال الموسم الدراسي الحالي، وسطرت أهدافا إستراتيجية عريضة بهدف الرقيّ بمنظومة التكوين، عبر اعتماد آليات ومقاربات جديدة... إلا أنها تصطدم، منذ الوهلة الأولى، بواقع مازال فيه من يرفضون التجديد، كما أنها تعرف تعثرا في صدور النصوص التنظيمية الخاصة بالتسيير الإداري والتربوي وبمختلف المتدخلين في التكوين... مرت ثلاثة أشهر على انطلاق العمل في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، التي كان محمد الوفا قد أعلن عنها كمشروع جديد، بدل المراكز الجهوية التربوية، وراهنت الوزارة -عبر هذا المولود الجديد- على توحيد مجال التكوين لمهن التربية والتكوين وتجميع المراكز في أفق عقلنة الموارد البشرية والمالية وتفادي مجموعة من العراقيل التي كانت تعرفها المراكز التربوية الجهوية. كما راهنت وزارة التربية الوطنية في هذا الصدد على عامل المواكبة الحقيقية للتوجهات العامة والمستجدات في مجال التربية والتكوين بالنسبة إلى أساتذة التعليم الابتدائي وأساتذة الثانوي -الإعدادي، في انتظار إلحاق المدارس العليا للأساتذة بالتعليم العالي مستقبلا. ويركز المشروع على اعتماد مفهوم المهننة في تأهيل الأساتذة المتدربين وتبني المقاربة بالكفايات كإطار منهجي والمقاربة المجزوءاتية كهيكلة لمناهج التأهيل... وراهنت الوزارة في هذا المشروع على تطوير الكفايات المهنية للمدرسين الملتحقين بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، مُركّزة في الوقت ذاته على ضرورة إعادة الاعتبار إلى كل من مجالي التطبيق في إطار الممارسة المهنية الفعلية والتكوين داخل المراكز. وقد حاولنا في هذا الموضوع الوقوف مع هذه التجربة، رغم أنها حديثة الولادة، حتى يتم تصحيح انطلاقتها في حال وجود ثغرات أو تعثرات قد تقتل هذا المولود في مهده، وحتى لا يتم التعامل معها بمنطق «واضعي البيض كله في سلة واحدة «، وحتى لا تكون هناك انطلاقة يائسة، من بعض الرافضين لكل ما هو جديد، حتى وإن لم يكلفوا أنفسهم عناء تجربته أو خوض غماره. قال جواد ارويحن، رئيس الجمعية الوطنية للأساتذة المكونين في المراكز التربوية الجهوية، في تصريح ل«المساء»، إنه رغم الطموح الكبير الذي واكب ولادة هذه المؤسسات، فإن هناك تصديّا لنجاحها من قِبل جيوب المحافظين، سواء على مستوى الإدارة المركزية أو الجهوية، وكذا ممانعة فئة من الأساتذة المكونين لصيرورة التجديد تبعاً لمصالح فئويّة ضيقة أو عن جهل مطبق بفلسفة التكوين الجديدة، إضافة إلى «الانحراف» عن المسار التجديديّ لصالح التكيف مع واقع تكوينيّ متقادم، تستميت فيه الأطراف المحافظة بكل ما أوتيت من قوة ووسائل للدفاع عن تلك المصالح، وعن نرجسيتها للفتك بهذا المولود الجديد في مهده. وقال ارويحن إن هناك تعثرا في صدور النصوص التنظيمية الخاصة بالتسيير الإداري والتربوي وبمختلف المتدخلين في التكوين، حيث يتم تدبير هذه المراكز بتكليفات لمسؤولين سابقين في حدود مدير المركز والمقتصد، وبموارد بشرية تكلست تجربتها بثقل سنوات العبث واللامسؤولية التي عاشتها مراكز التكوين لعقود، بتجميد كل هياكل التسيير، كمجلس المؤسسة واللجن البيداغوجية والعلمية والمالية والشُّعب. ووصف ارويحن الميزانية المرصودة لهذه المراكز بالضعيفة وبنيتها بالمتهالكة وتجهيزاتها بالمتلاشية. أما على المستوى البيداغوجيّ فقد أكد ارويحن أنه رغم استقطاب المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين أساتذة باحثين حاصلين على الدكتوراه في كل التخصصات، فقد تُركوا إلى حالهم يجابهون مهام التكوين المستجدة عليهم، بل اندسّ بينهم العديد من الأطر الإدارية التي وجدت في المراكز ملاذا لتغيير إطارها إلى أستاذ باحث ليس إلا. ولم يُخفِ ارويحن اقتناعه بأن هندسة هذه المراكز قد تبنّت إرساءً متدرجا ومرِناً يأخذ بعين الاعتبار إنضاج شروط نجاحها، على اعتبار أن الموسم الحالي هو بمثابة مرحلة التجريب، تتخللها محطات لتكوين الموارد البشرية وتقويم عدة التكوين الجديدة، بهدف تعضيد الإيجابيات وتعديل السلبيات، لكنه في المقابل يُقرّ بغياب الإرادة الفعلية من قِبل الجهات الوصية على منظومة التربية والتكوين وتقاعسها في التسريع بإعطاء هذه المراكز شخصيتها القانونية كمؤسسات للتعليم العالي وضمان دمقرطتها واستقلاليتها في التدبير الإداري والمالي والبيداغوجي، وهذا الغياب سيسمح للقوى المحافظة بتكييف مستجدات إصلاح منظومة التكوين وفق مصالحها التي وصفها غير ما مرة بالفئوية والضيقة. وفي سياق آخر، أكد ارويحن أن مشروع إحداث المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين انطلق منذ سنة 2009، إلا أن الإدارة الحالية ورغم التحول السياسي الطارئ ستتبناه سنة 2011 وستعتبره مولودها الخالص، مسجلا أنه مشروع تجديديّ تم بمقدورات وخبرات وطنية خالصة وبإمكانيات لوجستيكية ضعيفة وشحيحة بلغت حد التقشف، مؤكدا أنه مشروع انطلق من استشارة واسعة شملت نخبة من الممارسين في قطاع التكوين واستلهمت تصوراتها من المستجدات العلمية والتجارب الرائدة في مجال التكوين. أما تصريحات بعض الأساتذة المتدربين التي استقتها «المساء» حول تجربة المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، فقد أكدوا فيها شعورهم بأنهم «فئران»، للتجربة الأولى لتنزيل هذا المشروع.. وهذا ما لاحظوه من خلال تضارب الفهم عند بعض الأساتذة حول تفعيل «العُدّة»، كما سجلوا وجود بعض المشاكل في التنسيق بين المراكز ومؤسسات التدريب، لاسيما أن الأساتذة الممارسين حاليا لا علم لهم بما يسمى «العُدّة» وليس في إمكانهم تقديم إضافات إلى الأساتذة المتدربين، الذين قالوا إنهم أصبحوا تائهين بين ما يتلقونه في المراكز وبين ما يعاينوه أثناء فترات التدريب. كما سجل المتدربون -بأسف- التأخير الذي وقع في صرف الأجرة الموافقة للرقم الاستدلالي 275، إضافة إلى تعويض قدره 600 درهم شهريا، الأمر الذي أربك الوضعية المادية لأغلب الأساتذة المتدربين، وخاصة القادمين إلى المراكز من مناطق أخرى.