يخلص المتتبع للمشهد الإعلامي المغربي إلى حضور الجنس كهاجس مركزي في أغلب المواضيع المطروقة , إما في صيغة خبر / فضيحة , أو ضمن الرصد المتجدد للظواهر الوافدة على المجتمع المغربي , وما ينشأ عنها من اختلالات تربوية و اجتماعية بل و إشكالات قانونية كذلك ! ولعل أسوأ ما رافق الانفجار الجنسي الحاصل هو الزج بالطفولة فيما بات يُعرف ب" اقتصاد البغاء " , و تنامي ظاهرة الاستغلال الجنسي للقاصرين , لا كاعتداءات متفرقة فحسب , بل كاستهلاك منظم توجهه شبكات دعارة متخصصة ! من المسؤول إذن عن إقحام القاصرين في التسويق المروع للمتعة الجنسية ؟ وهل يتعلق الأمر دوما بالإكراه أم أن هناك احتياجات معرفية و نفسية يخطيء القاصر في السعي لتحقيقها ؟ يكشف السجال العمومي بشأن الظاهرة عن مقترحات و صيغ عملية للحد من استفحالها . ويبدو الرهان واضحا على تفعيل المقاربة الأمنية و آليات الزجر القانوني , كما تًناط بالمجتمع المدني مسؤولية التوعية والتحسيس بالمخاطر . أما التأسيس لمدخل تربوي سليم يوجه المعطى الجنسي توجيها يوازن بين احتياجات الفرد و خصوصيات المجتمع فلا زال , للأسف الشديد , مطلبا مؤجلا إلى حين ! تشكل الأسرة أول فضاء معرفي يطرقه المراهق بحثا عن تفسير لمجمل التغيرات التي تطرأ على جسمه , و في مقدمتها النشاط الجنسي الذي يستحوذعلى تفكيره , ويثير مخاوفه بشأن الصورة المثالية لجسده ومدى رضى الآخرين عنها . و هنا يتجلى الدور الآكد للأسرة في حثه على التقبل الإيجابي لهذه التغيرات , وتمكينه من معطى معرفي ملائم ضمن إطار أخلاقي و قيمي يبدد مخاوفه , و يقيه مغبة البحث عن مصادر أخرى غير آمنة . بيد أن ما نستشفه من تزايد الانحرافات الجنسية في واقعنا اليومي هو عجز الأسرة عن النهوض بهذا الدور لأسباب عديدة أهمها : - وهم التعارض بين التربية الجنسية و أخلاق العفة و الحشمة . ومنشأ هذا الوهم أساسا هو الخلط بين الإباحي و المباح في المعرفة الجنسية , و الزعم بأن بسط الحديث مع الأبناء في مواضيع جنسية يُمهد لهم السبيل للانحراف ! - الخوف من اهتزاز الصورة الرمزية وتراجع الهيمنة الأبوية , خصوصا و أن سلوك المراهق يتسم بالعنف والتمرد على مطلب الامتثال كما عاشه في طفولته. - النظرة الآثمة لأي تناول للمعطى الجنسي قبل الزواج , بل إن هذه النظرة تمتد حتى للأعضاء الجنسية , وهو مايفسر ورودها بشكل ملفت في البذاءة اللفظية المتداولة عند حدوث نزاع أو مشاداة كلامية . أما المدرسة التي يٌفترض أن تسد خللا أسريا في هذا المجال فتقف بدورها عاجزة أمام حيرة صانع القرار التربوي إزاء تضارب الآراء بشأن مضمون التربية الجنسية , وغائيتها , و الحدود التي يجب أن تقف عندها .إذ " الملاحظ في المدرسة أن التعامل مع التربية الجنسية يظل خجولا ومتناقضا . فتمرير التربية الجنسية في مادة " التربية النسوية" ثم "التربية الأسرية " تمرير غير ملائم لأن تلك المواد تنطلق من منظور التربية السكانية .لم يجرؤ المشرع بعد على إقرار ماد تدريسية صريحة تحت عنوان التربية الجنسية .و بالتالي نجد بعض مضامين التربية الجنسية موزعة بين مواد مختلفة قطبها الأول التربية الإسلامية و قطبها الثاني علوم الحياة . القطب الأول أجوف , فهو قيم من دون معارف علمية و تقنية , و القطب الثاني أعمى , فهو معارف من دون قيم سلوكية حداثية " (1) . هذا التوظيف المراوغ الذي يبرره بعض المسؤولين بعجز المجتمع عن تقبل منسوب الجرأة الزائد في التربية الجنسية, يدفع المراهق صوب فضاءات بديلة تستوعب واقعه الجديد ,وتلبي رغبته لاستكشاف جسده أولا ثم أسرار العلاقة بالطرف الآخر . وهنا يشكل الإعلام بوسائطه المتعددة مدخلا لتشرب المعرفة الجنسية سواء في صيغة تدابير تهم الصحة الجنسية , أو كسلعة استهلاكية تتجاوز "المباح" صوب التحريض على "الإباحي " .ذلك أن إصرار الإعلام على تحرير الخطاب الجنسي من وصاية الفقيه لم يكن دوما لغرض إحداث نقلة تصورية و معرفية , بقدر ما انطوى على بعد تسويقي و تجاري محض . فقد "انتبه البعض في الإعلام المغربي منذ أواخر التسعينات من القرن الماضي إلى أن موضوع الجنس موضوع مدر لأرباح مالية مهمة , و أنه يساعد على البيع و على اكتساب عدد كبير من القراء. وهو الأمر الذي جعل عدد الجرائد و المجلات المغربية التي تتناول الجنس بشكل منتظم أو ظرفي في ارتفاع مستمر " (2) . بل إن الأمر تطور في الآونة الأخيرة إلى اعتماد الحرية الجنسية مدخلا حيويا لرأب الصدع الحضاري الذي يفصلنا عن الآخر المعولِم و الحداثي ! إن ما يكابده المجتمع المغربي اليوم من تجليات الانحراف الجنسي ,ومن تآكل مستمر لآليات الصد و الممانعة التي تنهجها الأسر , يُحتم على صانع القرار التربوي ضرورة البدء بتمرير حازم لمباديء التربية الجنسية , و التحسيس بجدواها و فاعليتها في مواجهة زخم غريزي لا يرهق العقول الناشئة فحسب , بل ويعيق كل فرص التنمية المنشودة . حميد بن خيبش (1) د.عبد الصمد الديالمي : سوسيولوجيا الجنسانية العربية .دار الطليعة .بيروت 2009 .ص 160 (2) المرجع نفسه . ص 168