لم يكُن من باب المُصادفة أو المُجاملة حين اختارت وزارة الثقافة تطوان، لاحتضان المهرجان الدولي الأول للعود،فبحُكم تفردها بالموقع والحضارة، وبحُكم تنوع جُذورها العريقة وأصولها الثقافية الإسلامية، العربية والمتوسطية، كانت وما تزالُ أرض الحوار والمعرفة والسلام والإبداع والذوق الرفيع،استطاعت استيعاب التأثيرات الثقافية على اختلافها دون أن تفقد بسبب ذلك وحدتها وشخصيتها الفريدة.تطوان شديدة التواضع، عظيمة الكبرياء، جد أصيلة مُرتبطة بماضيها الجميل وحاضرها المُشرق، روحها هو نتاج خمسة قرون من التاريخ. تتكاثر فيها الأنشطة الروحانية للزوايا والمساجد،ويُطلق عليها أرض الأولياء والصالحين، تحدي الزمن سيتم التغلب عليه لأن الحمامة البيضاء استطاعت دائما نقل سحرها وإبداعاتها لساكنها ولزائريها حتى يتسن لها الاستمرار في البقاء من أجل العطاء. وللعود علاقة تاريخية قديمة مع بنت غرناطةتطوان، وألفة حميمية،ففي عهد الشيخ الحراق، الذي كان يُبالغ في ثمن العود وأعطى له قيمة عالية، حتى كانت كل عيدان المعلم " الدواص " وهو كان مشهوراً بجودة صُنع عيدان الطرب،أما الفقيه الذاكر سيدي محمد بن الحبيب كان يقضي الأيام والليالي المُتعددة يصلح العيدان، فإذا تمزقت فسخها ثم رد لها توازنها، وإذا تكسر منها شيء أصلحه، وجعل غرفة في الزاوية الحراقية، مصنع ومسكن آمن لسلطان الطرب العود فله مكانة راقية وبفضله ترقى الطرب وعم سائر الأماكن، وانتشر انتشاراًُ ما عليه من مزيد، فكان لبد لقنطرة الحضارات أرض السلام والذوق الرفيع أن تًكرم وتُمجد هذه الآلة العريقة العود وأمهر العازفين عليها.. واختتم المهرجان الدولي الرابع عشر للعود بتطوان، تاركا لنا عطره المليء بالموسيقى الراقية الأصيلة، أكد، أنه ليس أغنية قديمة على إيقاع فرعوني،وإنما أغنية سرمدية تبحر في الزمن، كُلما اقترب الناس من اللحن الأصيل،أعجب العود بالجمهور الراقي صاحب الذوق الرفيع،وبالمكان الخالد الجميل مسرح إسبانيول معلمة ثقافية عريقة،تثبت عراقة وأصالة تطوان،على مدى ثلاث ليالي أسطورية حملت كثيرا من مذاق الطرب الأصيل،و أبهر العازفون المهرة القادمون من تركيا ضيفة الشرف، والعراق والمغرب ولبنان وساحل العاج وفرنسا، وغصت قاعة مسرح إسبانيول وجناباته وشرفاته، بجمهور راقي ومُختار مُتذوق للطرب الأصيل، مُتمتع بإحساس صادق، أثبت تعطشه للطرب الأصيل، والمهرجان أعاد البهجة والبسمة لتطوان، وأصبحت من جديد كعروس تختال في أثوابها البراقة لتفتح أبوابها السبعة لاستقبال أمهر العازفين على ألة العود، جاؤوا من أقصى الشرق والغرب لمُعانقة إخوانهم الموسيقيين، في تطوان مُحملين بأروع المعزوفات لتستقبلهم مذكرة بأمجاد الأندلس، لم تكن الحمامة البيضاء أكثر من فاتنة مهذبة مولوعة بالطرب الأصيل، عشقها الجميع ولم يستطيعوا فراقها دون أن يثبتوا هُويتهم الصادقة إزاء مدينة استقبلتهم بالأحضان. وعاشت أياما ثقافية موسيقية، التقى فيها المبدع والمستمع والمنظر والطموح...والتقى فيها الفن الموسيقي الراقي بالتجربة الصادقة والاعتراف، وهذا مما أضفى على المهرجان حميمية خاصة، و تميز المهرجان هذه السنة بالاختيار الجيد وتقديم روائع موسيقية أصيلة ظهر فيها سُلطان العود بقوة وجرأة، وكما عكس المهرجان رغبة قوية التميز والتفرد على باقي المهرجانات، وساهم في إعادة الروح للغناء العربي الأصيل، ورد الاعتبار لسلطان الطرب العود،وأعاد للحمامة البيضاءتطوان بريقها الثقافي وزمنها الجميل الذي كان مليء بالطرب الأصيل محافظا على الهُوية العربية المغربية الأمازيغية. ليلة ساحرة مع أغاني مارسيل خليفة الخالدة استمع وردد الأغاني الخالدة للفنان الكبير صاحب الرسالة الإنسانية المايسترو مارسيل خليفة، ما يقرب 2000 متفرجة ومتفرج، في ليلة الاختتام للمهرجان،كان الفنان مارسيل خليفة نجم المهرجان، وقدم أروع أغانيه التي رددها معه الجمهور، وخاصة وأن الحفل أقيم على خشبة مسرح عتيد له تاريخ مجيد في استقباله لنجوم من إسبانيا والوطن العربي. وأغاني مارسيل خليفة أعطت للمكان أكثر رونقاً وممتعاً بكافة الوسائل، وهي كل عوامل ساعدت في النجاح الباهر الذي حققه، وجعلته فعالية مهرجانية بامتياز. ولن يغفل المهرجان على تكريم الشخصيات الموسيقية التي قدمت عطاءات للعود،فكرمت الفنان المغربي الكبير المبدع محمد بلخياط. وفي ندوة صحفية للفنان مارسيل خليفة، عقدت بعد السهرة مُباشرة، وأكد أنه يفضل الحضور إلى مهرجان تطوان الدولي للعود نظراً لقيمته الفنية العالية، على أن يحضر مهرجان مثل مهرجان موازين، الذي وصفه بأنه لا يختلف عن ما تقدمه القنوات الغنائية المختلفة. فهنيئا لتطوان بهذا المهرجان الدولي للعود،وعلينا أن نقف تقديرا واحتراما لكل من ساهم في إنجاح هذه التظاهرة الثقافية الجادة والهادفة. نجوى الحساني التائب