شمال المغرب، بين شمس ملوية العائمة على القوس الأبيض المتوسط ، وقمر تدغين السالك بين الأشجار والأحجار إلى أورنكا . بنار التاريخ وصلابة الجبال تفتتت قلوب . بين أريج الغاب ولوعة الفراق مزجت الحياة لغة في غناء ؛ أنّات وحنين ، رغبات وعويل ... أرض المدامع والكبرياء ، وقلوب بين الصلابة والهشاشة تفوح عنادا وتقطر شوقا ، بين سوار العادات وشجون الغربة ، بين مرارة الذكرى وقساوة الأيام وبين قوة الإصرار وفسحة الأمل بحثا عن حرية الأرض وانعتاق الإنسان ، تَفتّق في الشعر وليد يرضع الحرمان ، تذروه الألسن وتَصْدحه زغاريد نساء حازمات ، يطنّ بلحنه البندير ليهزّ أوصال الجسد الموشوم الملفوف بزخرفات أصابع الحنّاء ... شِعر أَوّاه وغناء جوّال بين المداشر والمنافي ، هو الإيزري الصامد من زمان في ذاكرات الجدّات والمنساب في تلاوين القول الريفي الجديد على لسان سام ومازيغ وموليير ... صبور وهشّ ، وفي هشاشته قوة انتشاره، معدن وطن وقلب إنسان. ومن المحنة لَشِعْرا ومن الأحزان نبع الإيزري... أيا را لاّ يا را *** أيا را لاّ بويا ************************* شعر ارتجالي غنائي / رومانسي المضمون في الأغلب الغالب ؛ تعبيرا عن مآسي الحروب وانتصاراتها ، عن لواعج الذات وأمنيات الجموع ، سجل الأفراح والأتراح . ظلم التاريخ فيه وظِلّ الخرافة ، دارصنائع ومشتل نبات ، بيت الراغب والزاهد ، " مولد " وممات ، عرس وعويل ، حب بلا زواج ، رقصة المذبوح فيه وآهات المحبوب ، تُصارع الموتَ فيه الحياةُ بين مآسي شيوخ وأحلام شباب في منعرجات الحال ومسالك المحال ، مَرْكب غربة وسماء ظنون ، شِعْر قصير لشَعَر " نونجا " الطويل . لغته الغاب والجسد الموشوم ، جامع الكلم المرغوب والمقموع . والقلب عقلُه وملتقى البصر فيه والظنون . والمرأة ، أمّا المرأة ؛ ظهر المقاوم وأم المغترب وعشقه القاسي ، حبيبة وعاشقة ، قلب ذا الشعر وجسمه ، صورته وصوته : * · عوائق الزواج : ءارمان نسفري ذي رعراسي يفري ئيخسيشم ءورينو واغاري ما ينزي . - إلى العربية ( م – ب ) : رمان السفري ناضج في الحقول يهواك قلبي ولا قدرة لي . * § في الوشم : " ماما " أثان يكين ، ثيكَاز سادو وابر ثاكيثنت إيو حبيب ، أرياز أتيقابر . - ترجمة سعيد بلغربي : ماما يا واضعة الوشم تحت الأهداب كم أغريت بجمالك من الرجال * · ألم الفراق : واذتروغ ءا ذتروغ ويفارقيغ ءا ثسروغ سيذي موذروس ءينو ماش غاكَغ ءاثتّوغ . - إلى الجملة العربية : أبكي أبكي ومن فارقت أبكيه سيدي حبيبي ، كيف أنساه ؟ * · ذات حاسة : أيا شواف إنو ، ياركب خ وور إنو مارمي ما مشضخث يوسوس ماسكين إنو . ترجمة سعيد بلغربي : يا شعري العارف بمكنونات قلبي كلما مشطته أحسست به يذوب أمامي حزنا .
و الإيزري علامة وطقسه إشارة ، إثارة واستجابة ؛ تصدح شابات فيجيب شباب من الخارج بطلقات بنادق إعلانا بوصول الرسالة ، عشق بين كلام ونار موصول بجرح الحناجر وآهات البنادير ، خِطبة في خطاب ، قرية في عرس واحد ، يتزوج القوم افتراضا وتتوالد الأحلام ، هو الإيزري بريد العشاق ويتخذ أغلب الإيزري الشكل التالي : - نظام البيت المستقل إزري . - مطلع يتكرر لازمة . - تييات صوتية ( التيت : وحدة صوتية من مقطع واحد ) . - إيقاع " ن - بويا " : لايارا لايارا *** لايارا لابويا فالبيت الشعري التقليدي الخاضع لإيقاع " ن - بويا " ( ويسمى أيضا رميزان أنعاشي ) ؛ ينبني إيقاعيا على الحركات الصوتية . وهي اثنتا عشرة / 12 حركة ، و يكتمل بأربع / 24 حركة لإتمام المعنى . ونشير هنا إلى أن هذا النمط الإيقاعي لم يكن قانونا صارما انضبطت له كل أصناف " الإزري " الريفي ، كما أن لازمة " ن – بويا " تغيرت بما يناسب القائل وظروف القول ؛ ومن بين تحويراتها إدخال همزة النداء لتصير : ألا يا را لا يا را *** ألا لا را لا بويا . أو إشراك الهمزة ويا في صيغة (أيا را لا يا را ) المشهورة إلى يومنا . (يتبع)