عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ كان لعيد الفطر وقع خاص على عقولنا الصغيرة إذ بعد رمضان طويل وشاق في فصل الصيف بداية الثمانينات من القرن الماضي كنا نفطره مرارا وتكرارا رغم تظاهرنا بصيامه وإلحاحنا المستمر على والدينا بالتسحر معهم ،إذ يحدث أن نقطع المسافة بين مرتيل والمضيق مشيا على الأقدام تحت شمس حارقة وأمعاء فارغة من أجل تزجية الوقت فما أن نصل إلى الوجهة الأخرى حتى نبدأ في البحث عن أول سقاية لنغرس رؤوسنا تحتها لنرتوي من مائها متظاهرين بغسل وجوهنا فقط .كما كنا نقضي بعض الوقت على شاطئ البحر نجرشباك صيد الشانكيطي لنفلح في آخر المطافة بحفنة صغيرة منه بعد حفلة من الشتائم والسباب من الصيادين المتمرضنين.كنا إدا بقي أسبوع على بزوغ شمس عيد الفطر نبدأ بالإلحاح على أبي ليقتني لنا لباس العيد مستشهدين بأبناء الجيران الذين سبقونا إلى ذلك،فيبدأ المسكين في وضع الترتيبات لذلك لأن العين بصيرة واليد قصيرة ،فهناك مستلزمات العيد الكثيرة التي تنتظره مثل الديك البلدي،ومقادير أمي من الحلوى التي تصنعنها في مناسبة العيد شأنها في ذلك شأن جيرانها ، وكذلك زكاة الفطر للفقراء والمحتاجين الذين يبدأون في الطرق على الباب منذ منتصف ليلة القدر. ميزانية بحالها يجب عليك تدبيرها يا أبي العزيز وأنت الذي تستطيع بالكاد أن تستجمع قوت يوم واحد لتسد أفواه العشرة نفيرا.ينادي علينا أبونا كل واحد بإسمه فنهرع مسرورين نقتفي أثره نحو الحافلة التي تقلنا إلى تطوان ،نقطع المسافة الفاصلة نشاهد من وراء النافذة الحقول الممتدة على طول الطريق بعقول سارحة تتخيل لون اللباس الذي سيشتريه لنا أبونا وحجمه وجودته .وما أن ترمينا الحافلة في المحطة القديمة التي كان يستهيونا فيها صوت مكبرالصوت يدعو فيها المسافرين إلى أخد احتياطاتهم عند كل إقلاع للحافلات الرابضة عند أرصفة المحطة في نظام وانتظام،كنا نسرع الخطى نحو أول متجر نصادفه في طريقنا نجر أبينا نحوه جرا كأننا نحن الذين كنا نمتلك القرارفي حين كان لأبي متجرا يعرف صاحبه الذي يبيع له بأثمان تفضيلية حيث نبدأ بالقياسات وشكل الألوان فيحدث أن تبدأ بيننا مناوشات وصرiعات صغيرة من هو الأسبق أوالأجدر فيحسمها أبي بأن يشتري لنا لباسا موحدا لونا وشكلا مثل المساجين درءا لكل نقاش قد يفسد علينا فرحة العيد. يوم عيد الفطر كنا نتوجه صباحا إلى المصلى على شاطىء البحر نظل قابعين تحت أشعة الشمس الحارقة لساعات طويلة ننتظر قدوم القايد ورئيس المجلس البلدي لأن التقاليد المرعية كانت تقتضي ألا يقوم الإمام للصلاة إلا بعد قدوم هاتين الشخصيتين المرموقتين تحت تهليلات المقدمين والشيوخ الذين يرفعون من عقيرة أصواتهم كلما إقتربا من الصفوف الأولى.وعند إنتهاء المصلين من شعائرهم كانا يقفان عند محراب الإمام ينتظران مرور المؤمنين الخاشعين لتقبيل أيديهما إقتداءا بما كان يمارس من طقوس في الرباط.كنت ألبس لباس العيد الذي أجد في رائحته نكهة لا تقاوم ورغم ضيق الحذاء في بعض الأحيان على رجلي فإني كنت أتظاهربمثالية قياساتهما حتى لا يكون من نصيب أخي الأصغر مني وحتى تكتمل الفرحة كان أبي يمدني ببعض الدريهمات فآخد أخي الصغير معي لنذهب مع شلة من الأصدقاء نبحث عن أول حفلة تقلنا إلى تطوان لعلنا نظفر بمشهادة فيلم هندي أو كراطي في إحدى الدور السنمائية المشهورة بعرض مثل هذه الأفلام ،فكنا نقضي نصف اليوم نتملى في إعلانات تلك الأفلام حيث كنi نتخيل أحداثها ومشاهدها ونضع لها إخراجا قبل مشاهدتها.وعند إقتراب موعد الدخول كنا نعرج على أصحاب السندويشات لنأكل خبزا به خليط من السلطة ممزوج بطون يسيل زيته خارج الخبزنأخده معنا وقد جعلنا لباسنا الجديد مبرقعا كنادل مطعم شعبي.وكنا نصطف في طابور طويل ننتظر دورنا لإقتناء تذكرة الدخول في تدافع يكون فيه حظ المغفلين أمثالي السقوط على الأرض شيئا عاديا ،وكنت لا أصل إلى الشباك إلا بعد أن يصل إلى أذني صوت الممثلين ينبعث من داخل الصالة فيزيدني شغفا وحبا في إقتحام الباب الرئيسية للسينما لعلني أشاهد بأم عيني أولئك الممثلين الذين رأيتهم رسوما جامدة فوق صور الإعلانات وهم يتحركون أمامي.لكن تكون صدمتي كبيرة عندما يرفض مراقب التذاكير ولوج القاعة رفقة أخي كونه ما زال حدثا يمنعه القانون من ذلك فأبدأ في التسول إليه لعله يرق قلبه لحالي لكنه يزداد إلا إصرارا في التشبت بقراره،فأرجع القهقرى أعيد بيع تذاكيري في السوق السوداء بأرخص الأثمان لكن هيهات هيهات لكل حرفة إلا ولها صاحبها الذي يتقنها،فينتهي يوم العيد بلباس مبرقع وحرقة على فيلم شاهدته في خيالي فقط. طباعة المقال أو إرساله لصديق