أكد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولوند في خطاب 9 أكتوبر 2012 بالسربون أن للمدرسة دور رائد في ارتقاء الأمم وتألقها، لذا اقترح تأهيل المدرسة الفرنسية هيكليا ووظيفيا ومضاعفة مردوديتها الإنتاجية، وقدم تصورا عاما عن إصلاح مؤسساتي انطلاقا من قناعاته الحزبية وبرنامجه الحكومي وهذه أبرز المحاور التي تضمنها خطابه: 1- عندما تتعرض التربية الوطنية للعنف فإن كل الميثاق يصبح عرضة للأذى. 2- يريد هولوند تغيير المنظومة التربوية بشكل أعمق، ولا يعني هذا هيكلة المدرسة ولكن تاهيلها، وهذا يتطلب الوقت والإمكانات. 3- خضعت المدرسة لعدة إصلاحات أتت بنتائج عكسية أدت إلى إضعافها بدل جبرها وتقويتها. 4- سيتم تكوين الأساتذة بدون الرجوع إلى المدارس العليا ودون الإلتحاق بالمعاهد الجامعية لتكوين المعلمين (I.U.F.M) 5- أطفالنا في حاجة إلى مدرسين انطلاقا من هذا الموسم الدراسي، إذ سنعمد إلى إحداث ما يناهز 10000 منصب. 6- كما سيتم إنشاء المدارس الخاصة بالأطفال دون الثلاث سنوات في الدوائر الصعبة. 7- سنعمل على خفض نسب التكرار لعدم جدواه. 8- يلزم إنجاز الواجبات بالمؤسسات التعليمية. 9- على التنقيط أن يترجم مستوى التلاميذ لا أن يكون وسيلة لتوبيخهم أو عقابهم. 10- أنا مع أربعة أيام ونصف بالمدرسة. 11- أبديت موافقتي التامة على مشروع تدريس الروح اللائيكية - والذي لا أرى فيه أي دخل للدولة -وإنما يعني السماح لكل فرد أن يبني حريته في إطار احترام حرية الآخرين. بعد ترجمة هذا الخطاب، وعند استقرائه نسنبين أن التعليم الفرنسي يعرف مشاكل منها: ظاهرة العنف ظاهرة التكرار مشكل نقص الموارد البشرية مشكل التنقيط الذي يسيء إلى السياسة التعليمية. ضعف التكوين لدى المدرسين. قلة المدارس الخاصة ببعض الفئات العمرية. وإذا شئنا تفكيك سيناريوهات استراتيجية الإصلاح وترجمتها إلى مشاريع قابلة للأجرأة فنتوقع أن تقوم هندستها على المحاور التالية: 1- الموارد البشرية: ويتعلق هذا المحور بتصدي الحكومة للخصاص المهول في الأطر التربوية، وشدد البرنامج على أمر خضوعهم لتكوينات وتداريب مكثفة تكفل النجاعة المطلوبة. 2- الموارد الديداكتيكية: ويراد بها توفير الموارد الضرورية لتؤدي المنظومة التربوية وظائفها على اكمل وجه. 3- الوظائف والمهام: وهي الوظائف التي ينبغي أن تقدمها المنظومة التربوية للمتمدرس في ظل مرجعية وطنية توحد المدرسة الفرنسية رغم تعدد أنواع التعليم بها ذلك أنها تمتح من خصوصيات هذه المرجعية وترتبط بها. ويدخل في هذا الإطار إشراف المربين على تلاميذهم وهم ينجزون واجباتهم بالمؤسسات التعليمية وتأطيرهم وهم يطبقون ما تعلموه في الصف المدرسي. ولعله يؤشر في هذا على تنمية المعرفة والخبرة في نفس الآن لأن ربط المتمدرس ببيئته ومحيطه وخبرته الذاتية يعد من مرتكزات اكتساب المعرفة، لينحصر دور المعلم في التوجيه والإرشاد والمساعدة كلما ارتآى ضرورتها، كما يفيد حضوره أثناء إنجاز المتعلم لواجباته في صناعة جيل مسؤول جاهز للقيادة لديه روح بحث عالية واستعداد للإنتاج وقدرة لتحقيق المردودية المرجوة بطرق علمية مضمونة النتائج. ويتاتى هذا - بالإضافة إلى ما سلف- بمدرسة قريبة من المتمدرس وفي أجواء تربوية مفعمة بالأمن والسكينة. يهدف إذن هولوند من هذه الإجراءات إلى ضمان استقرار المدرسة الفرنسية عن طريق الإهتمام بثالوثها المتكامل: - التلميذ الذي يلزم توفير مدارس خاصة به في المدارات الصعبة والإهتمام به في سن مبكرة (تربيته، تعليمه، تأطيره بشكل مكثف بالفضاء المدرسي..) - المدرسة التي ينبغي أن تجسد مستوى هذا المشروع الإصلاحي، - المدرس الذي يجب تكوينه وتأهيله ليساهم في إنعاش الحياة المدرسية. ولعل الإهتمام بالمدرسة وتكوين المدرس والإلتفات إلى ما يخدم التلميذ ويوفر تكوينه الجيد من شأنه أن يعيد الثقة إلى المواطن الفرنسي في نتائج مخرجات التعليم والتكوين. لذلك نراه دعا إلى خفض نسب التكرار الذي يستنزف ميزانيات الدول ناهيك عن تأثيرها المباشر على الناتج الخام للحكومات التي ترى منعه بموجب القانون، وظاهرة التكرار هي نتيجة حتمية لتردي المنظومة التربوية من أجل هذا يلزم توظيف وسائل ديداكتيكية للتقليص من نسبه منها: متابعة التلميذ داخل المدرسة بتعويده على التعليم التطبيقي- إنجاز الواجبات بالفصل- وإكسابه القدرة على الإستعمال الواعي للموارد المعروضة للإستثمار والأهلية للتصرف في الوضعيات. ويقود هذا إلى إعادة النظر في التنقيط الذي يعد من المعايير المدرسية التي تحتل مكانة مركزية في المنظومات التعليمية، إذ لها علاقة جوهرية بمسايرة النمو العقلي والمعرفي والمهاري للمتعلم، بل يعد لبنة أساس في صلب العمل التربوي لذا طالب بمراجعة وظيفته القياسية ومرجعيتها الموضوعاتية كما طالب بأن يعبر التنقيط بشكل عضوي عن مستوى المتعلم... لقد أتت دعوة هولوند إلى توظيف وسائل ديداكتيكية ولوجستيكية للنهوض بالسياسة التعليمية على اعتبار أنها أرقى مسلمات التقدم المجتمعي ولسد الفجوة بين حاجات المجتمع الفرنسي-الطلب- والمتعلمين-العرض- 4- مسارات الإشتغال: يتعلق الأمر في هذا المحور بالمؤسسات التعليمية التي يلزم أن تحتضن التلميذ وتقدم له خدمات جليلة ( التكوين، المعرفة، الخبرات...) وتوفر له الأمن. ويتم تنزيل هذه الإصلاحات في معزل عن الدين. وأشير بعد هذا إلى أن الحزب الإشتراكي الفرنسي غاب عنه وهو يضع برنامجه في مجال التربية والتعليم، أن العنف هو نتيجة لاختلال الشخصية، وأن هذا الإختلال مرتبط بإهمال الروح أوالمادة أو هما معا، لقد نظم حزب هولوند الحياة من حول المتمدرس وترك الفوضى بداخله، إذ الحياة لا تصلح بدون موازنة، ونظام الكون لا بد فيه من توازن. وعند الإهتمام بجانب دون آخر تضطرب الحياة، إذ التوازن المفقود في شخصية التلميذ من الداخل للخارج يسهم في خلخلة شخصيته، فينهار ويسقط، وهذا ما حدث قبل ان يقرر علمنة المدرسة بدليل إشارته إلى معضلة التكرار..وقد ثبت أن الطاقة الروحية في المرء هي التي تجعله ينمو ويصمد عند مواجهة المشكلات. وقوة الروح بالإضافة إلى قوة الإعتقاد تدفع المرء إلى المقاومة مهما اشتدت الضغوط، خطب رولاند ريغن في الكونغريس الأمريكي سنة 1985 قائلا:"يجب أن يعود الدين إلى المدارس وحين يعود الدين إلى المدارس سنطرد المخدرات والقتل والعنف والجريمة..."إن تخليق المتعلم والمواطن والمجتمع شرط من شروط النجاح، وهذا ما أثبتته فلسفات تدبير شؤون الأمم وواقع المجتمعات التي عملت على حفظ التوازن في شخص المتعلم، فساعدته بذلك على التخطيط لمستقبله بوعي، ودفعته إلى أن يفرض نفسه في عالم اليوم وان يشارك في المنافسة الشرسة القائمة على العلم والمعرفة والثقافة وإنتاج المعلومة وتسويقها، وما حققته التنينات الأربع والأمريكيتين والإتحاد الأوربي خير دليل على ما نقول. بعد هذا التحليل لمجريات الخطاب أشير إلى أن هولوند أثار تراجع مردودية التعليم معرفيا ومهاريا وديداكتيكيا وبيداغوجيا كما عرض تراجع التكوين عند المدرسين وإثقال كاهل المستفيدين من العملية التربوية بالواجبات المنزلية وأثار ظاهرة التكرار والعنف معرضا عن ظاهرة التسرب التي تهدد المدرسة الفرنسية، إذ أن 99% من المتسربين لديهم قدرات قيادية، وأن المدرسة هي المسؤول الأول عن ظهور مؤشرات الإنحراف لدى معظمهم وهي تعمل على تدميرهم وانكسارهم - كما جاء في دراسة حديثة- فهل تعمد عدم إثارة هذه الظاهرة حتى لا يزيد من احتمال تصعيد الإنتقادات المفترضة لبرنامجه في المجال؟ أم جاء سكوته لثقته في فاعلية خطته الإصلاحية؟؟ إن مشروع هولوند الإصلاحي الداعي إلى تجزيء التربية- غير آبه بالدراسات المنجزة في المجال ولا بالتجارب الكونية الناجحة للأمم المتقدمة- يوشك أن لا يحقق الأهداف المتوخاة من الرسالة التربوية والعملية التعليمية... وفي الأخير أقول لم يكن هدفي من ترجمة هذا الخطاب وتحليله أن أحصي مثالبه، وإنما أردت أن أنبه قراءه والمهتمين بالشأن التعليمي وبالجديد في عالم التربية أن المستقبل هو لمدارس الحركة القاصدة المدبرة الهادفة المدارس التي تهتم بتربية كل جوانب شخصية الطفل تربية شاملة متوازنة.. والخطير في الأمر أن يرى أطفال فرنسا أو أطفالنا أن الحياة بدون دين أمر عادي ولا يعقلون سلبيات تجويع الروح، وخطر تغييب مرجعية القيم الموحدة واستثمار نبض المجتمع (الأسرة، الجمعيات...) في بناء أنسنة جديدة لهذا العالم.