بعد مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن التغيرات المناخية (كوب 22)، والقمة الثامنة لمنظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة الإفريقية (أفريسيتي 2018)، وتظاهرات أخرى لا تقل أهمية، ها هي مدينة مراكش تستعد، يومي 10 و11 دجنبر الجاري، لاحتضان موعد دولي وازن ممثلا في المؤتمر الدولي الحكومي حول الهجرة الذي سيشهد المصادقة الرسمية والتاريخية على ميثاق عالمي حول الهجرات الآمنة المنظمة والنظامية. ويأتي هذا المحفل الدولي الهام، الذي سيعرف مشاركة رؤساء دول وحكومات وخبراء وممثلي الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، ليؤكد مرة أخرى، المكانة التي تحتلها المملكة المغربية في توحيد الدول والتنسيق بينها، والوزن الذي تتمتع به على الساحة الدولية بوصفها شريكا ذي أولوية في تدبير وتسوية مختلف الإشكاليات التي يواجهها المنتظم الدولي. ومما لا شك فيه، أن مراكش، المدينة السياحية ذات الصيت العالمي التي أعلنت كعاصمة إفريقيا الثقافية في 2020، وذلك بمناسبة انعقاد الدورة الثامنة لقمة منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة الإفريقية (أفريسيتي)، أضحت خلال السنوات الأخيرة قبلة يلتئم بها صناع القرار والفاعلون الدوليون من أجل التباحث والتركيز على قضايا هامة وإستراتيجية، كما يشهد على ذلك تنظيم المؤتمر ال 22 للأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن التغيرات المناخية، سنة 2016 برئاسة المغرب، والتي شكلت قمة للعمل والتعبئة في مواجهة هذه الظاهرة الكونية. وبفضل الانخراط الفعال للمغرب، أفضى هذا المؤتمر الدولي إلى تبلور تعبئة عالمية غير مسبوقة على درب بلوغ هدف اتفاق باريس القاضي بالحد من ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض إلى أقل بكثير من 2 درجة مائوية وأقرب إلى 1,5 درجة مائوية. وبنفس مستوى الالتزام والانخراط، تلتزم المملكة بلعب دور جوهري في نجاح الجهود الدولية الرامية إلى احتواء الهجرة الدولية ومواجهة تدفقات المهاجرين غير الشرعيين، وذلك من خلال ميثاق عالمي ذي طابع غير ملزم، لكن ذي أهمية من حيث أنه سيمكن من تغطية جميع أبعاد الهجرات الدولية عبر مقاربة شمولية ومتكاملة. وقد تم تأكيد هذا الالتزام من طرف وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي السيد ناصر بوريطة بمناسبة حدث موازي رفيع المستوى تحت عنوان "الطريق نحو مراكش"، والذي شارك المغرب في تنظيمه على هامش الدورة ال 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي انعقدت أشغالها بنيويورك في شتنبر الماضي. وقد أكد خلال هذا الحدث على أن ميثاق مراكش العالمي بشأن الهجرة سيكون اسما على مسمى، على اعتبار أن المدينة الحمراء، الحاضرة العريقة والتاريخية، التي تأسست قبل أزيد من 10 قرون، تمثل في حد ذاتها تجسيدا بليغا للتنوع الإنساني والثقافي والحضاري، لاسيما وأنها شكلت على الدوام ملتقى طرق ومعبرا للهجرات. وأشار الوزير، من جهة أخرى، إلى أن هذا الميثاق يشكل مكسبا ثمينا يتعين "الحفاظ عليه بحكمتنا الجماعية ومن خلال منظور واقعي لا يقف عند المدى القصير بل يمتد للمستقبل"، مؤكدا أن المصادقة على هذه الوثيقة سيشكل فرصة سانحة من أجل تغيير الحكامة الدولية للهجرات، وجعل المسؤولية المشتركة مبدأ أساسيا، وتعزيز ركائز التعددية، انطلاقا من احترام سيادة الدول وتعزيز التعاون. وهكذا، يعكس تنظيم مثل هذا الملتقى رفيع المستوى على أرض المغرب، المساهمة القيمة للمملكة في الجهود الرامية إلى تمهيد الطريق للقيام بأعمال ملموسة كفيلة بتحفيز تدبير أفضل لهذه الإشكالية وجعل التنمية في قلب أجندة الهجرة. كما أنه يلقي الضوء على أهمية سياسة الهجرة متعددة الأبعاد التي يتبناها المغرب تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي تم اختياره رائدا للاتحاد الإفريقي في موضوع الهجرة. وإلى جانب ذلك، فإن مقترح إحداث مرصد إفريقي للهجرة ومنصب مبعوث خاص للاتحاد الإفريقي مكلف بالهجرة، الذي تقدم به جلالة الملك في إطار الأجندة الإفريقية حول الهجرة، والذي جرى تسليمه للقمة الثلاثين للاتحاد (22- 23 يناير 2018)، يشكل خير تجسيد لهذا الحرص الملكي على تنمية القارة الإفريقية. وتجدر التذكير بأن موعدا دوليا آخر يجري حاليا بالمدينة الحمراء قبيل انعقاد المؤتمر الدولي حول الهجرة، وهو الدورة ال 11 للمنتدى العالمي حول الهجرة والتنمية (5- 7 دجنبر الجاري)، والذي يترأسه كل من المغرب وألمانيا بكيفية مشتركة. وفي نفس السياق، فإن المملكة أظهرت من جديد، التزامها الثابت حيال إحداث دينامية حول قضية الهجرة من خلال احتضانها في ماي الماضي للمؤتمر الوزاري الخمسين للحوار الأورو- إفريقي حول الهجرة والتنمية، والذي عرف مشاركة وزراء خارجية أو داخلية 60 بلدا. وقد تمت مؤخرا الإشادة بهذا الانخراط الصادق والجدي للمغرب في هذا الجهد الدولي من طرف الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة للهجرات الدولية لويز أربور، مثمنة "الجهود النوعية" المبذولة من طرف المملكة من أجل تنظيم المؤتمر الدولي حول الهجرة بالمدينة الحمراء. وبالنسبة لها، فإن المغرب احتل "موقعا للريادة" في مجال الهجرة، كما يشهد على ذلك قرار المملكة احتضان المؤتمر الدولي الحكومي للمصادقة على الميثاق العالمي حول الهجرة.