سبق أن قرأت مقالا متميزا للأستاذ المرحوم أحمد ابن سودة، مستشار المغفور له الملك الحسن الثاني، منشور بمجلة دعوة الحق عدد 345 ، تحت عنوان "ذكريات عيد الشباب"، حيث استوقفتني عبارات ومعاني تعكس الدلالات والعبر والغايات من الاحتفال بعيد الشباب. ويقول المستشار الملكي الراحل بأن المغرب احتفل لأول مرة بعيد الشباب في عهد الاستقلال، وكان ذلك سنة 1956. فلأول مرة في ظل الحرية والاستقلال التقى شباب المغرب من جميع الجهات ليحتفلوا بعيد ميلاد الأمير مولاي الحسن. وكان الشعار الذي اختاره المغفور له محمد الخامس لذلك اليوم هو "عيد الشباب"، فأعطى لاحتفال شباب المغرب رمزا للطموح والإرادة، ولم يكن العيد احتفالا من أجل الاحتفال بل تعبئة وتفجيرا لطاقات الإبداع والعطاء عند الشباب . لذلك، فإن الوقوف أمام هذا الحدث ومحاولة استقراء ماضيه وحاضره ومستقبله يكتسي أهمية كبرى، ومحطة أساسية لمعرفة مدى الاهتمام الذي نوليه لشبابنا اليوم. فهل ينعمون بحقوقهم كاملة ؟، وهل يحتلون المكانة اللائقة بهم داخل المجتمع والأحزاب والمؤسسات والهيئات ؟ ، وهل منذ تاريخ 1956 هيئنا قوة شبابية فعالة موجهة لخدمة الوطن؟. للأسف لم تكن عملية التنمية تشمل تلك الفئة المجتمعية بشكل كاف. فالشباب المغربي يعيش مجموعة من المشاكل التي ترتفع نسبتها كل سنة، في غياب استراتيجية حقيقية وملموسة تعالج القضايا الشبابية من طرف القطاعات الحكومية المعنية والجماعات الترابية ،وهذا الفراغ قد يؤدي بفئة عريضة من الشباب إلى براتين الظلامية والانحراف والإجرام . ثم لا ننسى أن مسألة الشباب شكلت محورا مركزيا في خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية السنة الماضية، حيث أشار إلى أن التقدم الذي شهده المغرب لم يشمل فئة الشباب الذي يشكل ثروة حقيقية . فضلا عن ذلك، فإن جلالة الملك في خطابه الأخير ليوم 29 يوليو بمناسبة الذكرى 19 لتوليه العرش، دعا الأحزاب السياسية للقيام بدورها في تأطير المواطنين والانفتاح على النخب الشابة، حيث أن الأحزاب ينبغي عليها استقطاب نخب جديدة، وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي. فالأحزاب السياسية بشكلها الحالي مازالت تشكل عائقا أمام انخراط فعال للشباب في الحياة السياسية بسبب الجمود الذي تعرفه على المستوى التنظيمي والوظيفي وغياب الديموقراطية الداخلية في كثير منها . وإذا كان دستور 2011 قد أسس لدعائم الديمقراطية التشاركية، فإن ذلك لن يكتب له النجاح إلا بتمكين الشباب من المشاركة في تدبير الشأن العام على المستوى الوطني والمحلي، والانخراط في الآليات التشاركية للحوار والتشاور، حتى يتملكون القدرة على إعداد قرارات ومشاريع تهم قضاياهم لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية. وقد أحدث الدستور بموجب الفصل 33 منه المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي ، والذي ننتظر منه ترجمة قضايا الشباب إلى برامج وسياسات عمومية حقيقية والعمل على تفعيل استراتيجية مندمجة تساهم فيها كل القطاعات المتداخلة والرفع من الميزانيات الموجهة للشباب وإشراكهم في كل المبادرات. فالتنمية الشاملة والمستدامة لن تتحقق إلا بالمساهمة الفعالة للشباب في الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي. هؤلاء الذين هم عماد المجتمع وسر النهضةِ فيه . فلنجعل من عيد الشباب نهضة شبابية كبرى ومسيرة للتنمية والبناء.