مع اقتراب موعد المؤتمر العام لحزب العدالة والتنمية، المقرر نهاية السنة الجارية، برزت للوجود خلافات بين قيادة الحزب، تمتد أفقيا وعموديا، حيث تخترق الأمانة العامة والمجلس الوطني والفروع، كما تخترق حركة التوحيد والإصلاح ونقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، ومنظمة التجديد الطلابي والفريقين البرلمانيين والجمعيات المدنية التابعة للحزب والحركة. ويوجد من جهة، تيار يتزعمه عبد الإله بنكيران، الأمين العام ب"التمديد"، وهو تيار يسعى إلى منح الزعيم ولاية ثالثة عن طريق تغيير القانون الداخلي للحزب، ورغم أن بنكيران يدعي أنه لا يهمه الموضوع وإنما يهم من يرغبون في قيادته للحزب من جديد، فإن مصادر موثوقة تتحدث عن معركة يقودها بنفسه قصد الهيمنة على الحزب والحركة. ومن جهة أخرى يوجد تيار آخر برز من بين رموزه اليوم كل عزيز رباح، وزير الطاقة والمعادن، ومصطفى الرميد، وزير الدولة في حقوق الإنسان، اللذين شنا هجوما عنيفا على الأمين العام، إذ اتهم الرميد الزعيم بالكذب والأنانية ووصفه رباح بالصنم الذي يريد البعض صناعته داخل الحزب. وذهب العديد من المحللين إلى القول إن الصراعات بين قادة الحزب هي ناتجة عن العمل الحكومي، وهناك من ينسبها للجن الأزرق المسمى التحكم، باعتبار أن المصالح هي التي تتحكم في مسار السياسيين، وقد يكون للحكومة وتبعاتها وإعفاء بنكيران علاقة بالصراع الحالي، لكن الأمر يبقى مجرد النقطة التي أفاضت الكأس الممتلئ عن آخره بدواعي حملها تاريخ الحركة التي سطت على حزب الدكتور الخطيب وسمته العدالة والتنمية. الصراع الحالي له دواعي عديدة يمكن إجمالها في ثلاثة، نعتبرها أصلية والباقي فروع. فمن جهة هناك شخصية مثل الرميد معروفة بمنافستها لبنكيران فيما كان يدعيه من امتلاك المعلومة عن طريق علاقته بضابط في الاستعلامات العامة، وبالتالي كان الجميع، زمن الخوف والدروشة، يعتبرون بنكيران هو الحاضنة بحكم وصوله إلى واسطة مع السلطة. غير أن هذه القضية لن تنطلي على المحامي الذي ربط علاقات وهو طالب ووصل بطرقه الخاصة إلى إدريس البصري، وزير الدولة في الداخلية آنذاك، وكان ينجز له تقارير عن الحركات الإسلامية باعترافه هو نفسه في حوار مع صحيفة الأيام الأسبوعية. أما العنصر الثاني، فهو أن الحركة الأم أي التوحيد والإصلاح مكونة من تيارين، تيار رابطة المستقبل الإسلامي وتيار الإصلاح والتجديد، وظلت الأخيرة مهيمنة حتى في توزيع الحقائب الوزارية حيث لا تحظى الرابطة سوى بوزيرين فقط. وهذا الأمر ما زال فاعلا داخل الحركة وسياقاتها ولايزال يرسم توجهاتها. ومن الطبيعي أن ينحاز تيار الرابطة لمصطفى الرميد، الذي كان محسوبا عليهم رغم عدم انتمائه لأي حركة من قبل منذ غادر الشبيبة الإسلامية. أما العنصر الثالث فهو الذي يسميه الباحث إدريس هاني، صاحب كتاب "سراق الله"، بالأثر الأوديبي لقادة العدالة والتنمية حيث "استطاع بنكيران عبر احتكاره لسلطة التوسط أن يكرس حالة الأبوية في الحركة والحزب..وهي الأبوية التي بلغت ذروة احتكارها للحزب الذي يرمز للأمّ..هنا تلعب عقدة أوديب دورا كبيرا بالمعنى الفرويدي..وهنا نحن أمام مرحلة انتفاض الأطفال لقتل الأب..ما يحدث اليوم هو لحظة أوديبية في حزب العدالة والتنمية، اللحظة التي سيعقبها استقالات وانشقاقات..في الغالب الصراع أوديبيا يبدأ حول الأم لكن اجتماعيا حول ميراث الحزب". المعركة إذن ليست معركة متولدة عن مصالح الحكومة، التي لم تكن سوى الدواء الذي أخرج أمراض الحركة التاريخية وهي التي تتحكم اليوم في صناعة مستقبل الحزب، الذي لن يكون مريحا، وقد ينفض كثيرون من حول الزعيم بعد أن أصبح لهم حول وقوة وقد يستقلون بمشاريعهم السياسية بعيدا عنه.