ليس هناك أفضل وأصعب من الوضوح في السياسة. أفضل، لأن الشفافية وصدقيه المواقف هما اللذان يميزان السياسي النزيه عن السياسي الكاذب، وأصعب، لأن الوضوح يتطلب الشجاعة والقدرة على الدفاع عن الاختيارات بدون نفاق، وهذا ما لا يتاح للبعض الذي يسعى إلى خلط الأوراق عن جهل أو عجز أو انتهازية. وفي جميع الأحوال إن الوضوح مسألة إيجابية ومحمودة، مهما اختلفت المشارب، لأنه يسمح بتحديد معالم الخريطة السياسية والإيديولوجية، دون السقوط في الخلطة العجيبة. ويمكن القول، إن المغرب يحتاج اليوم إلى كثير من الوضوح السياسي والإيديولوجي، بين مختلف التيارات والمشارب والإنتماءات، خاصة عندما تتشابك المواقف التي تعتبر نفسها يسارية مع مواقف تنتمي للتيار الأصولي اليميني، ويصبح "زعيم" من الإسلام السياسي، رمزا، بل منقذا ، لهؤلاء اليساريين، ينتظرون منه الخلاص ويتشبثون به، ويطلبون منه قيادتهم، رغم الإختلاف الفكري والسياسي الكبير، الذي من المفترض أن يميز كل طرف. لذلك لا يمكن إلا أن نتفق مع القول الواضح، من يريد البحث عن زعيم، فليبحث عنه في تياره الفكري والسياسي، لأن هذا ما يساعد فعليا على الإرتقاء بالحياة السياسية، في جدل غني، مبني على الصراحة وتحمل مسؤولية الإختيارات، رغم ما يكلف هذا من ثمن، فضريبة الإلتزام ضرورية، يؤديها السياسي النزيه، أما السياسي الذي لا يريد تحمل تبعات انتمائه، فإنه يفقد لونه، دون أن يحصل على اللون الآخر، فخسارته مزدوجة. ومما يؤكد هذه البديهية، هي أن أصحاب التيار الأصولي، يعبرون عن توجههم بوضوح وبراغماتية مذهلة، فهم يقولون لمن يريد أن يسمع، نحن لسنا يساريين، بل نحن نقيضهم، ولسنا من عشاق الحلول الجذرية، ولا نريد لعب هذا الدور، أو ننوب عن أحد في ذلك. إنهم بكل بساطة مخلصون لمشروعهم الإيديولوجي، ويعملون من خلال مواقعهم الحالية، في المؤسسات الرسمية والمنتخبة، على محاولة تطبيقه وتنفيذه تدريجيا، في الوقت الذي يظل بعض من يحسبون أنفسهم يساريين، يهاجمون أصحابهم، ويتوسلون المهدي المنتظر، أن ينير لهم طريق التغيير الجذري، رغم أنه يتعثر في قشابته.