سطع نجمه ضمن نخبة من الباحثين في علم الأعصاب بفرنسا، عقب مساهمته القيمة في ابتكار مقاربة علاجية لمرض الباركينسون لدى القردة، ونقل هذه التجربة الناجحة الى الانسان، في ما اعتبر ثورة في مسار العثور على علاج فعال لهذا الداء والتخفيف من معاناة وآلام المصابين به. إنه المغربي عبد الحميد بنعزوز (54 سنة)، الذي آثر كبح جماح ميولاته ومؤهلاته الفنية المتميزة، بعد أن عرضت عليه منحة من وزارة الثقافة لدراسة الموسيقى بروسيا بعد حصوله على شهادة الباكالوريا (علوم طبيعية) من الثانوية المحمديةبالقصر الكبير، لينطلق في رحلة بحث علمي بمعاهد ومؤسسات أروبية، بعد تخرجه مجازا من جامعة عبد الملك السعدي بتطوان.
يقول عبد الحميد بنعزوز في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء "بعد انتزاعي الجائزة الكبرى للعزف الكلاسيكي على القيثارة حظيت بمنحة من وزارة الثقافة لدراسة الموسيقى بروسيا، لكنني اخترت استكمال دراستي الجامعية في العلوم الطبيعية، التي توجت بحصولي على شهادة الدكتوراه من جامعة بوردو (جنوب غرب فرنسا)، ثم مديرا للأبحاث في معاهد طبية متخصصة في علم الدماغ والأعصاب".
والى جانب زملائه، اشتغل هذا الباحث المغربي العاشق لموسيقى الجاز المشرقي، في سلسلة ابحاث علمية وكلينيكية على طرق إيجاد علاج لمرض الباركينسون، مستلهما في ذلك تجربة طلبة أمريكيين في شعبة الكيمياء، أصيبوا بهذا الداء، أسابيع بعد أن تناولوا جرعات هيروين أخطأوا في تركيبة صنعه، ليتبين بعد ذلك أن المخدر المستهلك كان ممزوجا بمادة (إم .بي . تي .بي) التي كانت مسؤولة عن اتلاف خلايا عصبية تفرز مادة الدوبامين التي تضبط الوتيرة الكهربائية بمخ الانسان وتحول دون اختلالها .
وعندما تبين من خلال الأبحاث التي أجريت، ان هذه المادة، كانت وراء إصابة هؤلاء الطلبة بالباركينسون، -يوضح عبد الحميد بنعزوز مدير الأبحاث بالمعهد الوطني للصحة والبحث الطبي ببوردو، "قمنا باستعمالها لدى القردة عبر نموذج إصابة نصفية بالباركينسون لدى هذا الحيوان، مما أتاح معرفة كيفية تأثيرها على الخلايا العصبية، وهو ما شكل تقدما على الصعيد العالمي، مكن من فهم ما يقع في مخ الانسان المصاب بالداء".
وأمام عجز العلم حتى الآن عن زرع خلايا عصبية جديدة في مخ الانسان المصاب، انكب عبد الحميد بنعزوز ابن مدينة القصر الكبير، الذي يتولى عددا من المهام منها مسؤول فريق البحث في كيمياء الاعصاب ومرض الباركينسون بمعهد أمراض الاعصاب، وعضو اللجنة الوطنية للمركز الوطني للبحث العلمي، وعضو الجمعية الفرنسية لعلم الاعصاب، على القيام ضمن فريقه العلمي بأول عملية جراحية في العالم لزرع قطب كهربائي في مخ شخص مريض سنة 1993، وهي العملية التي لاقت نجاحا باهرا، تلتها بعد ذلك عشرات العمليات، وهو ما شكل تقدما علميا غير مسبوق ساهم في علاج المصابين بالباركينسون والتخفيف من آلامهم.
يشار الى انه بعد هذا الاكتشاف أجريت حتى الآن 85 ألف عملية لأشخاص تتراوح اعمارهم بين 50 و70 سنة، كما أن القطب الكهربائي يقوم، حسب التفسيرات العلمية ،مقام الخلايا الميتة لدى المصابين بداء الباركينسون، في ضبط الوتيرة الكهربائية للمخ، التي ينتج عن اختلالها ليس فقط ظهور أعراض حركية غير طبيعية لدى المصابين، بل ايضا أعراض غير حركية مثل الكآبة والقلق.
ومرض باركنسون أو "الشلل الرعاش" هو اضطراب عصبي تنكسي يؤثر على نحو سبعة ملايين شخص على مستوى العالم، ويصيب عادة الأشخاص فوق الخمسين عاما. يعاني المصابون منه من بطء الحركة، وارتجافات، وتيبس، وصعوبة في المشي، وعدم اتزان في المشية ومع تقدم المرض، قد يؤثر على التفكير، ومن الممكن أن يسبب أيضا مشاكل سلوكية ونفسية، بما في ذلك الخرف، واضطرابات النوم، والاكتئاب، فضلا عن انخفاض ضغط الدم. ورغم أن العديد من هذه الأعراض يمكن تخفيف ح دتها فإن الكفاءة العلاجية كثيرا ما تتراجع بمرور الوقت.
وحرص عبد الحميد بنعزوز الحاصل على جائزة أكاديمية الطب بفرنسا سنة 2003 ،وجائزة أكاديمية العلوم سنة 2007، وجائزة التفوق العلمي للمعهد الوطني للصحة والبحث العلمي، على استفادة بلاده المغرب من هذا التقدم العلمي،حيث شارك في العمليات الجراحية الأولى التي أجريت بمصلحة طب الاعصاب بالمركز الاستشفائي الجامعي بكل من الدارالبيضاء وفاس والرباط،كما يتعاون مع جامعتي محمد الخامس بالرباط، وجامعة القاضي عياض بمراكش، فضلا عن تأطيره للطلبة في مجال البحث العلمي ،وتحسيس الشباب بمهن البحث. وأشرف في هذا الاطار على إنجاز خمس أطروحات بالمملكة خلال السنوات الاربع الماضية.
وبالموازاة مع نشاطه البحثي، يزاول الدكتور عبد الحميد بنعزوز في اطار جمعية (أمان 33) ببوردو، عدة انشطة ثقافية خاصة في ميدان المسرح والموسيقي، والطبخ المغربي فضلا عن الاشراف على منتديات سنوية، منها منتدى المهن لفائدة الشباب، وربيع الشعر، والأنشطة الرامية الى تشجيع الكفاءات والنهوض بالعمل الانساني من خلال عدة مبادرات لفائدة الفتيات القرويات المتمدرسات بالمملكة.