"المغرب يقوده ملك حكيم للغاية، قريب جدا من الناس وفي تواصل دائم مع شعبه"، هكذا علق وزير الشؤون الخارجية الفرنسي السابق برنار كوشنير في إحدى المناسبات على نهج جلالة الملك في تسيير شؤون المملكة المغربية، نهج قائم على الحكمة والتواصل الدائم والاهتمام البالغ بانشغالات الشعب المغربي سواء الاقتصادية أو التنموية أو الاجتماعية، وآخرها إشكالية الإجهاض التي أثير بشأنها الكثير من الجدل الذي أخذ البعض منه أبعادا سياسية وإديولوجية، من خلال محاولة بعض الأطراف استغلال القضية بخلفيات تبتعد عن البعد القانوني والفقهي بما يحفظ مصلحة المجتمع. وبصفته أميرا للمؤمنين، فقد كان موقف جلالته واضحا خلال استقباله يوم الإثنين 16 مارس الماضي بالقصر الملكي بالبيضاء كلا من المصطفى الرميد وزير العدل والحريات، وأحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، و إدريس اليزمي رئيس المجلس الوطنى لحقوق الإنسان، حيث أمر جلالته باعتماد مقاربة تشاركية وتشاورية مع جميع الفاعلين المعنيين، وتلقي آرائهم على اختلافها من أجل تدارس مختلف الجوانب المرتبطة بإشكالية الإجهاض، وذلك في إطار احترام تعاليم الدين الإسلامي الحنيف والتحلي بفضائل الاجتهاد، وبما يتماشى مع التطورات التي يعرفها المجتمع المغربي وتطلعاته، وبما يراعي وحدته وتماسكه وخصوصياته.
يوم الجمعة (15 ماي 2015)، وحسب بلاغ للديوان الملكي، رفع الوزيران المذكوران ورئيس المجلس الوطنى لحقوق الإنسان إلى علم جلالة الملك محمد السادس نتائج الاستشارات الموسعة، التي كلفهم جلالته بإجرائها بخصوص إشكالية الإجهاض، مع جميع الفاعلين المعنيين، حيث أصدر جلالة الملك تعليماته إلى كل من وزير العدل والحريات ووزير الصحة، قصد التنسيق بينهما، وإشراك الأطباء المختصين من أجل بلورة خلاصات هذه المشاورات في مشروع مقتضيات قانونية، قصد إدراجها في مدونة القانون الجنائي، وعرضها على مسطرة المصادقة.
ونظرا لكون القانون وحده لا يكفي للحد من هذه الظاهرة، فقد أكد جلالته على ضرورة التوعية والوقاية ونشر وتبسيط المعرفة العلمية والأخلاقية التي لها علاقة بهذا الموضوع، لتحصين المجتمع من الأسباب التي قد تؤدي إلى الإجهاض.
وهكذا وضع جلالة الملك خارطة طريق عملية لحلحلة قضية الإجهاض التي أثير بشأنها الكثير من الجدل، مستحضرا جلالته المصالح العليا للأسرة والمواطنين، إن على المستوى الأخلاقي، الاجتماعي، الصحي، الإنساني، أو الحقوقي.
إن فلسفة جلالة الملك بصفته أميرا المؤمنين في معالجة إشكالية الإجهاض السري، اتسمت بكثير من الحكمة والتبصر، باعتبار أن قضية الإجهاض تطبعها الكثير من الدينامية الاجتماعية والفقهية، وعليه فقد أخذ جلالته القضية انطلاقا من فهم فقهي واجتماعي ينم عن فلسفة الوسطية والاعتدال التي تتميز بها الخصوصية الدينية المغربية في بعدها الفقهي المالكي الذي ينفتح على روح العصر بدون التفريط في الثوابت الدينية للأمة التي يرعاها جلالة الملك.
وبهذا يكون جلالة الملك قد جسد موقفا حكما من خلال تحكيمه في القضية باعتباره حامي حمى الملة والدين والساهر على احترام الدستور، انسجاما مع نبض الشارع والمجتمع المغربي الذي يعتبر جلالته مؤتمنا على مصالحه العليا، فنعم المؤتمن ونعم الأمين.