لم تجد الحكومة الجزائرية من بديل لمواجهة الصدمة الحتمية لمرحلة ما بعد النفط، أمام إكراه تهاوي أسعار الذهب الأسود إلى أدنى مستوياته، سوى استغلال الغاز الصخري، إلا انها وجدت نفسها امام معضلة أخرى تمثلها المقاومة الشعبية ضد هذا الاستغلال، خاصة في منطقة عين صالح التي انطلقت منها شرارة مقاومة الاجراءات الحكومية.. التعبئة الشعبية بمناطق الجنوب منذ أزيد من أسبوعين والتي تتسع رقعتها يوما بعد يوم، تضع حكومة عبد المالك سلال في الزاوية المغلقة، مستسلمة لسلسة الانتقادات حتى من الشخصيات الأكثر قربا من النظام، والتي ، لغاية في نفس يعقوب ، بدأت تجهر بتعاطفها مع المحتجين.
ومن تلك الشخصيات عمار سعيداني الأمين العام ل(جبهة التحرير الوطني)، الحزب الذي يرأسه شرفيا عبد العزيز بوتفليقة، والذي صرح "لا أفهم كيف أن الحكومة توضح في البداية أن الغاز الصخري هو مشروع على المدى الطويل، أي بعد 2022، لتفاجئنا ، بين عشية وضحاها وبدون سابق إنذار ، بأنها ستمر إلى مرحلة الاستغلال".
وتابع سعيداني "الوضع في عين صالح (انطلقت منها شرارة الاحتجاجات) لم يكن ليستمر في التدهور لو كان هناك حوارا صريحا مع الساكنة (....) لقد تخلينا عن هذه المنطقة".
وكان وزير الطاقة يوسف يوسفي قد دشن بعين صالح ، البلدة الواقعة في أقصى الجنوب ، عملية تجريبية للتنقيب عن الغاز الصخري، قبل أن يعود أياما قليلة بعد ذلك إلى المنطقة ليحث المسؤولين المحليين ومتزعمي الاحتجاجات على "التضامن الوطني".
ولم تكن دعوة يوسفي هاته إلا لعبا في الوقت الضائع ما دامت الاحتجاجات توسعت وانتشرت في ولايات أخرى، جاذبة مزيدا من التعاطف، ومسببة في عزلة للحكومة ولعملائها من البرلمانيين عن المناطق المحتجة.
ويبدو أن الحكومة غير آبهة بهاته الاحتجاجات، خاصة في ظل الآفاق المبهمة للطاقات التقليدية التي تشكل أساس الثروة الوطنية والتي أصبحت مرهونة بالصراع بين القوى العالمية، حيث أن وزير الطاقة خاطب ساكنة عين صالح بالقول أن "الموارد التقليدية لا تكفي، ليس لدينا غاز. كما نأمل في اكتشاف ست أو سبع آبار كما هو الأمر بحاسي مسعود، لكن لم نعثر على شيء"، موضحا أن الأمر يتعلق "بضمان مستقبل أبنائنا وبناتنا".
وسبق للوزير الأول أن حذر في يونيو الماضي عندما بدأ النفط يفقد سعره الحقيقي، من أن الجزائر قد تضطر إلى وقف تصديرها للمحروقات خلال السنوات القليلة المقبلة "في حال ظلت المخزونات ماضية في التقلص في أفق 2030، حيث لن نعمل إلا على تغطية الطلب الداخلي".
وكان وزير الطاقة قد عبر قبل ذلك عن قلقه من استهلاك الأسر مع "الارتفاع المهول" للطلب الداخلي الذي يتوقع تضاعفه مع بداية سنة 2024 إذا ما استمر الاستهلاك في الارتفاع ب7 في المائة سنويا، مما سيرفع الفاتورة الطاقية إلى 80 مليار دولار في أفق 2030.
وتملك الجزائر ، رسميا ، احتياطات طاقية تقليدية تقدر ب12 مليار برميل من النفط و4 آلاف مليار متر مكعب من الغاز، إلا أنها تظل كميات غير كافية للحفاظ على نفس وتيرة الصادرات وكذا للحفاظ على حصصها في السوق.
وبحسب معطيات نشرتها الصحافة المتخصصة، فإن آبار حاسي الرمل آخذة في النضوب بفعل غياب الصيانة والاستغلال المفرط لها.
فقد تراجع الإنتاج بهذا الموقع من 75 مليار متر مكعب في 2008 إلى 55 مليار متر مكعب في 2012، مما ساهم في تراجع صادرات الجزائر من الغاز وذلك من 60 مليار متر مكعب في 2007 إلى 52 مليار متر مكعب في 2011، ثم 55 مليار متر مكعب (2012).
واستشعارا منه للمخاطر الحقيقية التي يمثلها تراجع عائدات البلاد واستنزاف الموارد، يسعى النظام الجزائري إلى التمسك بوجوده ولو على حساب ثروة أخرى يظل أفقها مبهما، ألا وهي مشروع الغاز الصخري التي تعد الجزائر ثالث بلد في العالم يتوفر على احتياطاته.
وتعتزم الشركة الوطنية للمحروقات (سوناطراك) ، كما عبر عن ذلك سعيد سحنون الرئيس-مديرها العام بالنيابة ، استثمار ما لا يقل عن 70 مليار دولار على مدى ال20 سنة المقبلة في أعمال التنقيب على هذه المادة، بغرض تمكين البلد من فرص "التكيف مع محيط في تحول مستمر"، مضيفا "إن مهمتنا في الشركة هي ضمان تموين السوق الداخلية كأولوية، دون إغفال قيمة صادراتنا الضرورية من أجل التنمية الوطنية".
وأثارت هذه الخرجة التقنية لهذا المسؤول موجة غضب لدى المحتجين في الجنوب الذين باشروا سلسلة حركات بلغت درجة العصيان المدني في بعض مدن ولاية تمنراست التي تبعد بنحو ألفي كلم عن العاصمة الجزائر.
وفضلا عن المخاوف المتعلقة بتأثير التنقيب عن الغاز الصخري على الصحة العمومية أو البيئة، تتملك ساكنة الجنوب مخاوف ، بالخصوص ، من تأثير ذلك على المخزون المائي المتوفر بالمنطقة.
وتقنيا، يتطلب التنقيب على بئر واحد من الغاز الصخري كميات كبيرة من الماء تفوق تلك التي يتطلبها التنقيب في بئر تقليدي، هذا في وقت تفتقر المنطقة لثورة مائية كافية وتلجأ إلى استخراج المياه الجوفية لتلبية الحاجيات المحلية. إلا أن هذه الثروة، على قلتها ، ستتضرر في حال شرعت (سوناطراك) في تنفيذ مخططها بالتنقيب في 200 بئرا كل سنة من أجل إنتاج 20 مليار متر مكعب من الغاز.
فتمسك كل طرف (السكان المحليون والنظام) بمنطقه، لن يعمل إلا على تعميق الخلاف بينهما، مما يجعل الغاز الصخري نقمة تهدد التوافق الهش بين شمال البلاد وجنوبها عوض أن يكون إضافة تغني الاقتصاد الوطني.