أصبحت التطورات التي تعرفها منطقة الساحل مصدر انزعاج السياسيين والخبراء والمتتبعين، خصوصا وأن بوادر دويلة للمتطرفين أصبحت قاب قوسين أو أدنى، لكن إذا ما تحقق ذلك، فسيكون لها تداعيات أمنية وسيشكل ذلك خطرا حقيقيا ليس فقط على الاستقرار السياسي في المنطقة ، ولكن أيضا على أمن البلدان الإفريقية. هذه التخوفات كانت موضوع نقاش علمي للعديد من الخبراء، الذين اجتمعوا في الرباط لدراسة تفاعلات المنطقة، وشارك في هذه الدورة الجديدة للقاءات الدبلوماسية، كثير من الخبراء المهتمين بقضايا الإرهاب ومنطقة الساحل والصحراء، وأكد المشاركون، أن "احتمال تأسيس دولة جديدة تنمو وتتطور في سياق يتسم بالاضطراب وانتشار المجموعات المتطرفة يمثل خطرا حقيقيا على الاستقرار السياسي لمنطقة الساحل والصحراء".
وفي هذا السياق أشار المدير المساعد لمعهد البحث من أجل السلام والأمن الدوليين، أندري كورنيل زانو، من البنين، خلال هذا اللقاء الذي نظم حول "الاتحاد الإفريقي-المغرب: بين التباين والشرخ"، إلى أن "مثل هذه الدويلة ستشكل حصنا جديدا للمجموعات الإرهابية من قبيل القاعدة في المغرب الإسلامي، كما أنها ستصبح ملتقى للتهريب بجميع أنواعه".
فجبهة البوليساريو التي تتحكم، تحت حماية الجزائر، في مخميات تندوف حولتها إلى مرتع للجماعات المتطرفة والحركات الإرهابية والاتجار في السلاح والمخدرات، وأصبحت ملجأ لكل من يهدد استقرار المنطقة، وهذا مؤشر واحد على أن خلق دويلة ستكون له العواقب الوخيمة.
ومن جهته شدد محمد بنحمو، رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، على أنه "لا مكان للدويلات المصطنعة". وعدد الخبير، أمام نخبة من الصحافيين والدبلوماسيين، المخاطر في منطقة الساحل، مشيرا إلى أن الهشاشة الدائمة لدول الجوار في الساحل الصحراوي، وشساعة الحدود، واستغلال يأس شباب مخيمات تندوف، كلها عوامل مغذية للإرهاب في المنطقة.
وأكد بنحمو أن البلدان المغاربية لم يعد بإمكانها العيش في منطقة مظلمة ومتوترة، لأن "الجهاديين من جميع الأنحاء سيسعون إلى الاستفادة من هذه المنطقة إذا استمر النزاع".
ورأى المتدخلون، وهم خبراء من التشاد والسينغال والكامرون وبنين، أن "الاستقلال كما تتصوره جبهة البوليساريو وحلفاؤها لا يمكن أن يكون حلا لهذا النزاع الترابي الذي يجهض جهود الاندماج الإفريقي"، مؤكدين أن "منح الاستقلال في سياق عالمي يتسم بالتكتل في إطار مجموعات سياسية واقتصادية كبرى لا يمكن أن يكون علاجا ناجعا للنزاعات الترابية بإفريقيا والتي تهدد القارة بالبلقنة "، وبالتالي فإن خلق دويلة في منطقة الساحل سيهدد استقرار المنطقة برمتها وسيدخلها في صراعات واضطرابات تمتد لعشرات السنين لا قدر الله.