أكد باحثون وفاعلون جمعويون، أمس الأحد بالصويرة، أن الموقف الحازم لجلالة المغفور له الملك محمد الخامس من السياسة المعادية للسامية التي اعتمدها نظام فيشي، خلال فترة احتلال فرنسا من قبل ألمانيا النازية، يعتبر نقطة مضيئة في مرحلة قاتمة من تاريخ الإنسانية. فقد أبرز كل من أندري أزولاي مستشار صاحب الجلالة والرئيس المؤسس لجمعية الصويرة- موغادور، و بهيجة سيمو مديرة الوثائق الملكية، وجامع بيضا مدير أرشيف المغرب، وأمين الكوهن باحث في تاريخ اليهود المغاربة، خلال ندوة نظمتها مؤسسة محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث في إطار تظاهرة " 2014 ، سنة جلالة المغفور له الملك محمد الخامس" ، الدور الذي قام به جلالة المغفور له لدعم اليهود المغاربة ضد القوانين المعادية للسامية التي كان نظام فيشي يعتزم تطبيقها بالمغرب، الذي كان حينها يخضع للحماية الفرنسية، حيث رد على الضغوط التي تعرض لها، بالتأكيد على أن اليهود كما جميع المغاربة المعتنقين لمختلف الديانات هم رعاياي وتحت حمايتي.
وأكد المتدخلون في هذا السياق، أن جلالة المغفور له الملك محمد الخامس رفض التوقيع على ظهائر مؤيدة لهذه القوانين وعارض محاولات السلطات الاستعمارية التطبيق الفعلي للإجراءات المعادية لليهود ، مشيرين إلى أن محاولات تطبيق هذه القوانين المعادية للسامية رافقتها حملة دعائية نازية كانت تهدف إلى زرع الانقسامات داخل المجتمع المغربي بهدف عزل المواطنين اليهود وتشغيل آلة التمييز ضدهم.
وتوقفوا أيضا عند موقف رمزي للغاية تجلى في رفض جلالة المغفور له محمد الخامس جملة وتفصيلا لهذه السياسة التي كانت منافية لتعاليم الإسلام وقيم المجتمع المغربي، ولرسالة أمير المؤمنين وسلطان جميع المغاربة بدون استثناء.
وأوضح المتدخلون أن جلالة المغفور له وجه الدعوة سنة 1941 إلى وجهاء اليهود لحضور احتفالات عيد العرش وأجلسهم بالقرب من المسؤولين الفرنسيين وأعضاء لجنة الهدنة الألمانية الذين ظلوا في حالة صدمة.
وقال جلالة المغفور له محمد الخامس مخاطبا الصحافيين، وهو محاط بالحاخامات ووجهاء اليهود "لا أؤيد إطلاقا القوانين الجديدة المعادية لليهود وأرفض إشراكي في اتخاذ إجراء لا أؤيده. أريد أن أخبركم بأنه، كما كان الحال في الماضي، سيظل الإسرائيليون تحت حمايتي وأرفض أن يقع التمييز بين رعاياي".
وأبرز المتدخلون أنه بفضل هذا الموقف الجريء والتاريخي، تجنب جلالة المغفور له محمد الخامس سياسة الميز العنصري التي كانت ستتحول في ما بعد إلى مجازر، كما كشفت عن ذلك فيما بعد الأحداث التي اندلعت في أوروبا.
وفي الواقع، فإن هذه القوانين كانت تتضمن سلسلة من الإجراءات الإقصائية كما هو الشأن بالنسبة لإحصاء السكان المعتنقين للديانة اليهودية، وإقصاء اليهود من الوظيفة العمومية والتحكم في ولوجهم لمهنة المحاماة ومنعهم من الإقامة في الأحياء الأوروبية وإجبارهم على حمل النجمة الصفراء من أجل التمييز بينهم وبين باقي السكان. ويكفي في هذا السياق التذكير بدعوة جلالة المغفور له الملك محمد الخامس الشعب المغربي للاصطفاف إلى جانب فرنسا والحلفاء في حربهم ضد ألمانيا النازية، وهي دعوة كانت في العمق خيارا من أجل حرية الشعوب والقيم الإنسانية.
ولم يفت المشاركين في هذه الندوة التأكيد على البعد السوسيولوجي لهذا الحدث بالنظر إلى كون اليهود يشكلون مكونا لا غنى عنه في المجتمع المغربي الذي يندمجون فيه بشكل تام، واضطلعوا فيه، عبر تاريخ المغرب، بدور هام في مختلف الميادين.
كما كان اليهود، يضيف المتدخلون، يحظون برعاية وحماية السلاطين الذين تعاقبوا على حكم المغرب كما توضح ذلك المخطوطات التي تم عرضها خلال هذه الندوة والتي تؤكد إرادة الملوك المغاربة في تمكين رعاياهم من معتنقي الديانة اليهودية من التمتع بحقوقهم في إطار المساواة، مع احترام خصوصياتهم الدينية والثقافية.
وأبرز المشاركون في الندوة أيضا دور اليهود المغاربة في حركة المقاومة الوطنية، مشيرين على سبيل المثال إلى إدمون عمران المالح وأبراهام سرفاتي وسيمون ليفي ومناضلين آخرين ساهموا إلى جانب مواطنيهم من ديانات أخرى في هذه الدينامية التي مكنت من نيل استقلال المغرب ، دون نسيان الرصيد الفني والثقافي لليهود المغاربة والذي يؤكد ، من خلال العديد من الأعمال، تعلقهم بالعرش العلوي وتطلعهم نحو الحرية.
وأوضحوا أن موقف جلالة المغفور له محمد الخامس يتماشى مع تقاليد عريقة للتعايش والتسامح، وهي التقاليد التي رسخها جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني وصاحب الجلالة الملك محمد السادس الذي يحيط برعايته السامية رعاياه من معتنقي الديانة اليهودية على جميع المستويات، مؤكدين أن آخر تعبير واضح عن هذه العناية يتمثل في دستور سنة 2011 الذي أدرج المكون العبري ضمن تعريف الهوية المغربية.
وشكلت هذه الندوة مناسبة للتأكيد على ضرورة تكثيف الأبحاث والدراسات حول تاريخ المغرب ومراجعة التاريخ المعاصر بتعقيداته وغناه، وتعريف الأجيال الصاعدة بالأحداث الهامة التي ميزت التاريخ.
وفي تصريح للصحافة، قال أندري أزولاي إن "الأمر يتعلق باجتماع مؤسس بحيث وضعنا حجر الأساس لمسلسل سيلق الضوء على هذا الجانب من تاريخنا الذي ظل مجهولا لفترة طويلة وغير معروف والذي يستحق اليوم أن ينقل إلى الأجيال الصاعدة".
وأكد أزولاي أنه "من خلال هذا المسلسل سيكون بإمكان الأجيال الصاعدة أن تقدر حق قدرها كافة صفحات تاريخنا، وخاصة السنوات التي كان فيها كافة المغاربة، مسلمين ويهودا، معبئين ومتآلفين حتى ينال بلدنا استقلاله ويستعيد سيادته وكافة حقوقه، بما فيها حقوق المسلمين واليهود في التمتع بمواطنتهم التامة والكاملة".
وقد حضر هذه الندوة السادة جمال مخططار عامل إقليمالصويرة، وعبد الرحيم بودرة ممثل المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بأسفي والصويرة، وعبد الكريم الزرقطوني ، رئيس مؤسسة محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث.