لا يمكن فهم التحركات والمناورات الفاشلة التي تقوم بها الجزائر مؤخرا، إلا على خلفية ما يعتمل داخل هذه الدولة والأزمة الخانقة التي تعتصر الطغمة الحاكمة بها، وذلك بفعل العزلة الدولية وتفجير الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالداخل.. إعلان الجزائر عن مواقفها العدائية تجاه وحدة المغرب الترابية، واختلاق أكاذيب عن مرض جلالة الملك إلى غير ذلك من الاساليب الدنيئة لتشويه صورة المملكة، ليس بشيء جديد ولا مفاجئ بالنسبة للمهتمين والمتتبعين لما يجري بالجارة الشرقية، إذ ان ذلك يدخل في إطار السياسة العدائية الثابتة لهذه الدولة التي قال عنها احد الخبراء الامريكيين انها "أكبر دولة بوليسية في العالم العربي".
وإذا كانت تحركات الجزائر المناوئة للمغرب ووحدته الترابية لا تخرج عن إطار ثوابت سياستها منذ امد بعيد، فإن الخرجات الاخيرة تحكمها بعض الخلفيات التي وجب تذكيرها بشهادة خبراء ومحللين مشهود لهم في هذا المجال..
الحقيقة التي يعرفها الجميع هو ان النظام الجزائري يواجه ازمة خانقة إن على مستوى العزلة الدولية التي كبدته الكثير، بفعل مواقفه الغريبة من بعض القضايا الدولية والجهوية، التي حاول خلالها السباحة ضد التيار، وهو ما اتضح خلال الثورة التي هزت اركان نظام العقيد القدافي، وكذا بخصوص الازمة التي لاتزال اسبابها قائمة في سوريا. .
كما ان ازمة النظام الجزائري تزداد تعميقا بفعل الصراعات الداخلية بين الاجنحة والاجهزة المتحكمة والمحتكرة للسلطة، مع ما يرافق ذلك من حراك سياسي وشعبي مناهض لسياسة الجنرالات المتخفين تحت جبة رجل اجتمعت فيه كل الامراض ولم يعد يقدر على الكلام والحركة، لدرجة ان بعض الاطباء يصفونه ب"متحف الامراض" وليس عبد العزيز بوتفليقة..
وفي هذا الاطار يرى بروس ريدل، مدير "إنتلجينس بروجيكت" في مؤسسة بروكينغز، التي يوجد مقرها في واشنطن، أن خرجات بوتفليقة العمومية النادرة منذ عودته في يوليوز الماضي من باريس، تم الإعداد لها بعناية كبيرة..
وهو ما يعني ان الرئيس لم يعد قادرا على ممارسة مهامه الرئاسية وبالتالي وجب تطبيق الفصل 88 من دستور الجزائر، الذي يتحدث عن عزل الرئيس في حالة عجزه، إلا ان الجنرالات في الجزائر لا يريدون أي تغيير في جوهر السلطة بالجزائر، لأن ذلك يهدد مصالحهم وسيجعلهم عرضة للمحاسبة من طرف الشعب بسبب ما اقترفوه في حقه وكذا ما مارسوه من نهب وفساد لدرجة اوصلوا فيها البلاد إلى حافة الافلاس..
إن خوف الطغمة العسكرية، الماسكة بزمام الامور في الجزائر، على مستقبلها هو الذي يملي عليها تصريف ازمتها الداخلية عبر اختلاق صراع وهمي مع المغرب والدفع بانفصاليي البوليساريو لخوض هذه الحرب بالوكالة..
كما ان خوف الجنرالات ورجال المخابرات عن مصيرهم جعلهم يمددون وضعية الجمود لأطول وقت ممكن، وذلك من خلال الاختفاء وراء بوتفليقة أو "متحف الامراض"، وعزمهم على تقديمه للترشح لولاية رئاسية رابعة، خوفا من أي "تقدم نحو الانخراط في مسلسل سياسي" قد يؤدي إلى "الإعلان عن مطالب ديمقراطية" كما يقول بروس ريدل..
ان ما سمي بخطاب الرئيس بوتفليقة، الذي تلاه وزيره في العاصمة النيجيرية ابوجا، ما هو إلا محاولة لإظهار النظام الجزائري في صورة قوية وإيهام الرأي العام الداخلي والدولي ان بوتفليقة هو الرئيس، والحال ان هذا الاخير لم يعد يقوى حتى على الذهاب إلى المراحيض وأحرى التفكير او كتابة رسالة بهذا الشكل، وهو ما يعرفه المتتبعون للشأن الجزائري ولا يخفى على الشعب الذي قرر الخروج عن صمته من خلال الاحتجاجات والمظاهرات التي تطبع حياة الجزائر في الفترة الاخيرة، ومن خلال مطالبة الاحزاب والمنظمات المدنية والحقوقية بتطبيق احكام الفصل 88 من دستور البلاد وانتخاب رئيس جديد للبلاد، وابتعاد الجنرالات ورجال المخابرات عن الشأن السياسي للبلاد، وذلك لفتح الطريق امام الشعب ليقول كلمته ويمارس كامل حقوقه وحرياته..