مرة أخرى يؤكد أبواق النظام العسكري الجزائري، بأن الجزائر هي الطرف الأساسي في النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وان مرتزقة البوليساريو ليسوا سوى دمى تحركها أيادي الجنرالات للقيام بحرب بالوكالة ضد المغرب ووحدته الترابية. وفي هذا الإطار، هاجمت الصحافة الجزائرية السلطات المصرية بعد فشل الزيارة التي قام بها الرئيس المعين عبد المجيد تبون إلى القاهرة، يومي 24 و25 يناير، بل إن بعض الصحف ذهبت إلى حد مطالبة الجزائر بمراجعة علاقاتها مع القاهرة، ويرجع ذلك أساسا إلى تفاهمها التام مع الرباط. وهاجمت صحيفة "لاجون أنديبوندنت" (Le Jeune Indépendant) الجزائرية في عددها الصادر يوم 25 يناير، وهو يوم انتهاء زيارة عبد المجيد تبون إلى القاهرة، السلطات المصرية، وذلك لأن مصر أعادت التأكيد على علاقاتها القوية مع المغرب في الوقت نفسه الذي كان فيه تبون يستعد لركوب الطائرة المتجهة إلى القاهرة... وهكذا، فإن السفير المصري بالرباط، ياسر مصطفى عثمان، اتُّهِم بإفساد الزيارة الرسمية للرئيس الجزائري إلى القاهرة بعد التصريح لأحد المواقع الالكترونية المغربية بأن مصر كانت دائما تدعم وتعترف بمغربية الصحراء. وقال ياسر مصطفى عثمان، في تصريح يوم الأحد 23 يناير 2022 ، إن "مصر تدعم وبقوة الوحدة الترابية للمملكة المغربية، وترفض أي تدخل في شؤونها الداخلية، وترفض أي مس بوحدتها الترابية. ونحن لا نعترف بالجمهورية الصحراوية ولا توجد لدينا أية علاقات مع البوليساريو"، مضيفا أن مصر "تدعم الوحدة الترابية للمغرب، ونحن نؤيد المسار الأممي وقرار مجلس الأمن الأخير الذي رحب به المغرب ورحبت به مصر أيضا؛ وبالتالي عندما ترى الموقف المصري في مجموعه فهو موقف قوي، ولا أعتقد أنه قابل للتأويل بشكل مختلف أو قابل حتى للتشكيك فيه.. موقفنا قوي وواضح مع الوحدة الترابية للمغرب". واستنكرت الصحيفة الجزائرية ما تسميه ب"الخطاب المزدوج" للحكومة المصرية، قبل أن تضيف: "هل نبني إذن شراكة اقتصادية حقيقية مع دولة تمارس الغدر والازدراء الدبلوماسي؟"، وهو موقف يبعث على القرف لأن الجزائر تؤكد من خلاله انها هي الطرف الاساسي في ملف الصحراء المغربية، عكس ما تدعيه من حياد... من جهتها، ذكرت يومية ليبيرتي (Liberté)، في افتتاحية نشرت يوم 26 يناير تحت عنوان "غدر السيسي"، تهاجم فيها مصر بسبب تصريح سفيرها بالرباط. وكتبت صحيفة ليبيرتي قائلة: "إذا كان هذا التصريح يذكر بالعداء التاريخي لمصر تجاه القضية الصحراوية، فإنه توقيته هو رسالة للسلطات الجزائرية مفادها أن القاهرة لديها مواقف مشتركة مع الرباط أكثر منها مع الجزائر. وبالتالي، فإن خرجة السفير مصطفى عثمان تمنع، مسبقا، الجزائر من جني ثمار دبلوماسية من زيارة تبون". وهذا تأكيد آخر على ان نظام العسكر الجزائري طرف اساسي في النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، فضلا عن ذلك، يتضح من تصريحات تبون نفسه أن زيارته إلى مصر كانت فاشلة تماما. وبالفعل، تحدث الرئيس الجزائري المعين، يوم الثلاثاء 25 يناير 2022، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس المصري، عن "ضرورة استمرار المشاورات وتوسيعها، تحسبا للقمة العربية التي ستستضيفها الجزائر". وهكذا ألمح تبون العسكر بشكل غير مباشر إلى أن العديد من العراقيل والخلافات ما زالت تعترض عقد قمة عربية في الجزائر، والتي لم يخاطر تبون العسكر هذه المرة بتحديد موعد جديد لعقدها. ويجب التذكير كذلك، ان المبادرة الأخيرة التي اتخذتها الجزائر للعب المساعي الحميدة بين مختلف الفصائل الفلسطينية كانت موضع استياء في القاهرة التي اعتبرت هذه البادرة تعديا على مجالها الدبلوماسي. وراكمت الطغمة العسكرية الجزائرية الأخطاء الفادحة والهفوات، في غمرة رغبتها في تحقيق إنجاز ديبلوماسي لعله ينسي الجزائريين ويلهيهم عن واقعهم المتأزم ويلمع صورة الجنرالات. ومن الواضح أن إعلان تبون عن عقد مؤتمر في الجزائر العاصمة بين الفصائل الفلسطينية هو خطأ دبلوماسي لا يمكن إلا أن يثير استياء السلطات المصرية. وكان دبلوماسي سابق لإحدى دول الاتحاد الأوروبي في القاهرة قد أكد في مقابلة سابقة مع أحد المواقع الالكترونية المغربية أن "المحاور والوسيط بين الفصائل الفلسطينية هو مصر. هذا المجال هو من اختصاص القاهرة. فأن تقوم الجزائر بالتدخل في مجال مصري حصري تقريبا هو أمر أخرق وهو بكل تأكيد لن يرضي الرئيس السيسي"، مضيفا أن "مصر لن تقبل أبدا أن تتدخل الجزائر في مجالها". كما أفادت صحيفة العرب الصادرة في لندن، في عددها الصادر يوم 26 يناير، أن الوساطة الجزائرية مع الفصائل الفلسطينية كانت بدورها فاشلة، لأن هدفها الحقيقي لم يكن المصالحة بين الفلسطينيين فعلا، بل تحريضهم على الإدانة العلنية لاستئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، باستثناء الدول العربية الأخرى التي قامت بتطبيع علاقاتها مع الدولة العبرية. وهو الأمر الذي لم يحدث. ومن المفارقات أن ذروة الإذلال للنظام الجزائري ما كتبته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، يوم الثلاثاء الماضي، أن تبون "وضع إكليلا من الزهور على ضريح الرئيس المصري الراحل أنور السادات وقام بقراءة الفاتحة" على روحه. والمعروف أن السادات ليس سوى أول رئيس عربي يطبع علاقات بلاده رسميا مع إسرائيل. كان ذلك قبل 42 عاما، أي في عام 1979، مما أثار استياء "جبهة الحزم والمواجهة"، التي كان يقودها في ذلك الوقت محور الجزائر- دمشق- طهران. النظام الجزائري، الذي أعمته كراهيته المرضية للمغرب، يضاعف الزلات والإخفاقات الدبلوماسية، لدرجة أن كل خطوة من قبل المجلس العسكري تفسر الآن من قبل السفارات الأجنبية على أنها مدفوعة بعمل عدائي تجاه المغرب. وهكذا ساهم هذا العداء الهستيري للطغمة العسكرية للمملكة إلى حد كبير في فشل هذه الزيارة التي قام بها تبون العسكر إلى مصر.