شنت قوات الأمن الجزائرية حملة اعتقالات واسعة في صفوف المتظاهرين بمختلف مدن وقرى البلاد، وذلك في الذكرى 33 لأحداث الخامس أكتوبر 1988. وطالت الاعتقالات عشرات المتظاهرين وضمنهم الطلبة، الذين خرجوا لتخليد ذكرى أحداث 5 اكتوبر 1988، واستئناف مسيرات الحراك الشعبي الذي واجهه نظام العسكر بقمع شرس واعتقالات في صفوف نشطائه... قبل ثلاثة وثلاثين عاما مثل اليوم خرج آلاف الشبان الجزائريين إلى شوارع المدن يطالبون بالحرية والكرامة وبحياة أفضل. حدث ذلك في الخامس من أكتوبر 1988. كان يوم أربعاء. في اليوم السابق كان الرئيس (آنذاك) الشاذلي بن جديد في زيارة ميدانية لولايتي البليدة والمديّة جنوب العاصمة. كعادة الزيارات الرئاسية، استُقبل الشاذلي بالورود والزغاريد وفرق الطبول والمزامير، لكنها كانت مظاهر مزيفة ومغشوشة لجزائر وردية موجودة فقط في نشرات الأخبار بالتلفزيون الحكومي ولا أثر لها في الواقع. في مساء ذلك الثلاثاء، وبينما كانت نشرة الثامنة تدوي بالزغاريد على الرئيس ومرافقيه في المديّة، «زغردت» أحياء شعبية في العاصمة، أبرزها باب الوادي، بطريقتها الخاصة لتعلن غضبها وتكتب نهاية عهد وبداية آخر. شهدت أحياء العاصمة في تلك الليلة مظاهرات شعبية عارمة تخللتها أعمال نهب وتخريب ومواجهات عنيفة مع الشرطة امتدت ساعات طويلة. لم تكن تلك إلا البداية، لأن يوم الأربعاء كان أسوأ وأخطر، أصبحت فيه المظاهرات أكثر عنفا وامتدت إلى كل أحياء العاصمة وضواحيها، وإلى العديد من مدن وولايات البلاد. قبل انتهاء يوم الأربعاء قرر الحاكمون إنزال الجيش إلى الشوارع فاستقدموا قوات مجهزة من مناطق بعيدة لمواجهة المتظاهرين. وقرروا أيضا بداية تحويل الموقوفين من «مثيري الشغب» الذين «يُخرِّبون بيوتهم بأيديهم» وفق تعبير جزائر الثامنة مساءً، إلى أقبية المخابرات. بينما كان الجيش بقيادة اللواء (لاحقا) خالد نزار، يواجه العزّل في الشوارع بالذخيرة الحيّة والدبابات، كانت المخابرات العسكرية، بقيادة الجنرال محمد بتشين، تذيق الموقوفين أشد صنوف التعذيب. عندما سُئل نزار في وقت لاحق عن سبب استعمال الذخيرة الحيّة، قال دون أن يرفَّ له جفن، إن الجيش لم يكن يمتلك الرصاص المطاطي! وعندما سُئل بتشين عن التعذيب، قال إن جهات أخرى مارست من التعذيب أكثر وأسوأ مما مارس رجاله! بعد أربعة أيام دامية، استيقظت الجزائر على حصيلة مرعبة: نحو 500 قتيل وصدمة جماعية ضربت صميم المجتمع جراء ما تسرَّب من شهادات عن فنون التعذيب الذي تعرض له الموقوفون، وبعضهم فتيان دون سن الرشد، في أقبية الشرطة والمخابرات المظلمة.