فشلت شركة الأسمنت الفرنسية "لافارج" في محاولتها إسقاط تهمة "التواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية" في الصراع السوري، عندما قضت المحكمة العليا الفرنسية، أمس الثلاثاء السابع من سبتمبر، بضرورة إعادة النظر في القضية، ملغيةً بذلك حكماً سابقاً. وأبطلت المحكمة أيضاً قرار محكمة الاستئناف القاضي بإبقاء تهمة "تعريض حياة الآخرين للخطر" الموجهة إلى الشركة، وأعادت المسألتين إلى قضاة التحقيق لبتّهما من جديد. في المقابل، ثبّتت المحكمة تهمة "تمويل الإرهاب" ضد الشركة. غض الطرف تورط ويجري التحقيق رسمياً مع "لافارج" في فرنسا بسبب محاولاتها مواصلة العمل في فرعها في سوريا "لافارج سيمنت سيريا" بعد اندلاع الحرب هناك عام 2011. والشركة حالياً جزء من مجموعة "هولسيم" المدرجة في سويسرا التي هبطت أسهمها بفعل هذه الأنباء 3.6 في المئة. وسبق أن أقرت "لافارج"، بعد تحقيق داخلي أجرته، بأن الشركة المحلية السورية التابعة لها دفعت لجماعات مسلحة مقابل المساعدة في حماية موظفيها ومصنعها واستمرار العمل فيه. لكنها رفضت بضعة اتهامات وجهت إليها في إطار التحقيق القضائي الفرنسي، ومنها تواطؤها في جرائم ضد الإنسانية بسبب تعاملاتها مع جماعات متشددة بالمنطقة ومنها تنظيم "داعش". وفي أواخر عام 2019، أسقطت محكمة أخرى هذه التهمة، قائلةً إن "لافارج" لم تتعمد توريط نفسها في هذه الجرائم. لكن المحكمة العليا ذكرت يوم الثلاثاء أنه من الممكن تورط أي شخص أو شركة عن طريق غض الطرف عن تلك الجرائم حتى من دون المشاركة فعلياً فيها. "لافارج" مستمرة في التعاون مع القضاء وقالت المحكمة في حكمها أمس الثلاثاء، "في هذه القضية، دفعُ عدة ملايين من الدولارات... إلى منظمة نشطة إجرامياً كافٍ لوصف ذلك بالتواطؤ، حتى لو كان الطرف المعني لا يفعل ذلك إلا لممارسة نشاط تجاري". وقالت المحكمة العليا إنه يتعين على القضاة إعادة النظر في طلب "لافارج" إسقاط التهمة عنها، وهو ما قد يترتب عليه إعادة توجيه الاتهام بالتواطؤ، مما يشكل سابقة، لأنه لم تُحاكم أي شركة فرنسية حتى الآن في ما يتعلق بهذه الجريمة، على الرغم من أن المحاكم الفرنسية لها الولاية القضائية على الجرائم التي يرتكبها أشخاص أو شركات فرنسية في الخارج. ولم يُحدد موعد للمحاكمة مع استمرار التحقيق القضائي الذي يتحرى أيضاً مزاعم عن تمويل منظمة تُعد كياناً إرهابياً. وقالت "لافارج" إنها "مستمرة في التعاون التام مع السلطات القضائية الفرنسية"، وأضافت أنها لن تعلق أكثر من ذلك على العملية القضائية، لكنها أشارت إلى أنها اتخذت خطوات لضمان عدم تكرار أمر من هذا القبيل في المستقبل. دفع أموال ل "داعش" وأوقفت المجموعة العمل في جلابيا بشمال سوريا، على بعد 100 كيلومتر تقريباً من الرقة، عام 2014، عندما تعرض المصنع لهجوم شنه متشددون. لكنها واصلت العمل في المنطقة وحافظت على موظفيها المحليين بعد الصراع الذي اندلع في عام 2011، وبعد أن خضعت المناطق المحيطة تدريجاً لسيطرة جماعات مسلحة مثل "داعش". وزعمت جماعات حقوقية، منها المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان ومقره برلين و"شيربا" الفرنسية، التي رفعت دعاوى ضد "لافارج"، أن المجموعة اشترت المواد الخام والنفط من المتشددين ودفعت أموالاً مقابل مرور العمال من نقاط التفتيش بأمان. وقالت "شيربا" والمركز الأوروبي إن هذه الأموال بلغت قرابة 13 مليون يورو (نحو 15 مليون دولار). واعتبر محامي منظمة "شيربا"، وليام بوردون، أن "محكمة النقض أثبتت أن قاضي التحقيق محق بشأن نقطتين أساسيتين، عبر تأكيد الملاحقات بتهمة تمويل الإرهاب وعبر إعادة فتح الجدل في تهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية، التي سيتمّ إبقاؤها نظراً إلى العناصر الدامغة الموجودة في الملف". "هولسيم": قضية من الماضي واستحوذت "هولسيم" على "لافارج" عام 2015، مما جعل الشركة السويسرية أكبر منتج للأسمنت في العالم. وقالت "هولسيم" إنها تواجه تحقيقات أولية من وزارة العدل الأميركية بشأن تعاملاتها في سوريا. وأضافت في تقريرها نصف السنوي لعام 2021 أنها تناقش قراراً محتملاً مع وزارة العدل. وذكرت في بيان عقب حكم المحكمة العليا الفرنسية، أن تعاملات وحدتها "لافارج" في سوريا "قضية من الماضي" تتعامل معها الشركة الفرنسية بمسؤولية. ومضت تقول، "اتخذنا خطوات فورية وحاسمة لضمان ألا تتكرر أي أحداث مشابهة مرة أخرى". ولم يتضح بعد ما العقوبات التي يمكن أن تواجهها "لافارج" في أي محاكمة فرنسية. كما يخضع العديد من المديرين التنفيذيين السابقين للشركة لتحقيق رسمي. وقالت "لافارج" إنه لم يتم التحقيق مع أي فرد من الشركة.