لقد نزل علينا قرار التعليم عن قرب منزل الريبة والشك، خاصة في مرحلة عرفت، ولاتزال، ارتفاعا مهولا في عدد الوفيات والإصابات بفيروس كورونا المستجد، مما جعلنا نستشعر طعم المرارة في هذا القرار الذي كشف ان قيمة المواطن سواء كان أستاذا، أو تلميذا أو أسرا تأتي في الرتبة الثانية بعد اللوبيات السياسية والاقتصادية التي لن أتطرق إليها وأتركها لذوي الاختصاص. وسأكتفي في مقالي هذا فقط بإبداء رأيي كمشتغلة في الميدان، باعتباري أستاذة تربوية ومواطنة تعتبر قيمة الروح لديها من الأولويات. فإذا كان المسؤولون قد انفردوا باتخاذ هذا القرار الفوقي، والإمعان في الإطلال علينا من فوق كراسي الوزارة الفخمة ومقاعدها الوثيرة ليتناقشوا مع أصحاب المناصب والمصالح فقط، ولم يتواضعوا لأخذ رأي المهنيين في القطاع والمشتغلين في الميدان، وخاصة مع الاستاذ نفسه، فإن السنتنا، والحمد لله، لن تخرس عن الصدح بالحقيقة، كما أن لدينا قلم نقول بواسطته علانية ونيابة عن الأغلبية الصامتة إن قرار التعليم عن قرب يهدد أمن البلاد وحياة المواطن والعمل به هو قتل للنفس عمدا مع سبق إصرار، ومسؤولية الضحايا تقع على عاتق الذين اتخذوا هذا القرار . فالقرار يعتبر بمثابة صاعقة وضرب لحياة المواطن، الذي قدم تضحيات كثيرة من أجل وطنه، وحين حلت الجائحة القاتلة الذي تهدد حياته بالموت المحقق ارادوا أن يقدموه وجبة دسمة بين أنياب كورونا. الأمر طبيعي إذن، إما لأنهم قدموا مصلحة ما على مصلحتنا أو لأنهم يتجاهلون مايحدث داخل القسم وفي المدرسة. وبصفتي أستاذة ذات خبرة في مجال التربية والتعليم، تخرجت على أيديها أجيال كثيرة منها أطر في عدة مجالات، سأحاول من خلال هذه السطور تقريب المسؤولين ومعهم الرأي العام الوطني، من الواقع وكيف سينتقل الخطر من شخص لآخر من خلال تجربتي اليومية ومعاينتي لما يجري. بإلزامنا التلميذ على احترام قواعد النظافة ووضع الكمامة فإننا لم/ولن نحل المشكل، وذلك لاسباب عدة سأشرحها بتفصيل: 1- كيف يلتزم الصغير بارتداء الكمامة، والحال أن ولي أمره، هذا الكائن الناضج، لم/ولا يلتزم بها؟ حتما ستكون بالنسبة إليه مجرد لعبة جميلة يلهو بها مع زملائه، مرة يختطفها ليلعب بها فتسقط عشرات المرات على الأرض، وأطوارا ينزعها من زميله في الساحة ليضعها على فمه، وهذه هي الطامة الكبرى لتكثر على إثر ذلك الشكاوى ويتحول القسم إلى محكمة تشوش على الدرس وتقلص من زمن الحصة التعليمية، ليتحول الفصل إلى وكر لكورونا، وليس ببعيد أن تصبح الكمامة منديلا يمسح بها مخاطه أو يمررها بيده على الطاولة خاصة ونحن مقبلون على شهر تكثر فيه نزلات البرد والزكام. لا تستغربوا فهذه حقائق نعيشها حقا، بل والأكثر من ذلك فإن التلميذ المشاغب ينفث في دفتر زميله او على وجهه نكاية به، وبالتالي فإن الوباء سيجد فرصة ومجالا للإنتشار من تلميذ لآخر ثم للأستاذ وللأسرة... 2- كيف يمكن حماية الأستاذ من الوباء وهو على اتصال مباشر مع دفتر التلميذ للتصحيح والتوجيه ومع الطاولات والجدران، وباتصال أيضا مع الأمهات اللائي يزدحمن على باب المدرسة لمراقبة أبنائهم؟ والله إنها لكارثة وانتحار، وسوف نلعب إذ ذاك مع الجائحة لعبة طوم وجيري ههههه. 3- كيف يمكن للطفل أن يلتزم بقواعد النظافة ، في وقت يأتي أبناء بعض الأسر في الأحياء الشعبية من منازلهم وملابسهم تفوح فيها رائحة النوم والبول(أعزّكم الله)؟ 4- كيف نمنع الصغير في المدرسة من المرحاض، ليعود الى قسمه بأياد ملوثة بعد قضاء حاجته فيلمس بها كل شيء؟ 5- كيف نضمن سلامتنا الصحية والدولة باتت لا تعين منظفا للمدرسة. سنين طويلة ونحن نشتغل بين ركام العفن في الأقسام والمراحيض. فكيف السبيل إلى حل هذه المعضلة ومتى! أيها المسؤولون، لا تعجلوا بدفننا عبر إبادة جماعية، فكفى من العشوائية والتفكير المصلحي وحان الوقت للمحافظة على الأرواح كما يطالب بذلك المواطنون، فتأخير الدراسة أو إيجاد حلول بديلة أخرى لن تكون أكثر وجعا من ألم فراق أم أو إبن أو قريب. حاولوا ان تربحوا الرأسمال البشري، الذي يعتبر أسّ كل تنمية، وحصنوا نفوس الاطفال الأبرياء وأسرهم من مقصلة الفتك، التي لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ، لواحة للبشر عليها علامة فيروس كورونا التاجي القاتل مرسومة. إني بهذا المقال أستغيت بالله ولا أستعطفكم، وأطالب من المسؤولين أن يستشعروا حجم الدمار والفتك الذي سيعصف بالأطفال في المهود وبالعائلات في المنازل وبالمدرسين، والإداريين والمفتشين بسبب الخطر الداهم والفتك المدمر الذي صار بيننا.. ولئن أصبت بالوباء أو أصيب أحبتي فكل المسؤولية تقع على عاتق المسؤولين إلى يوم الدين.