كان لابد من الانتظار 45 عاما حتى يصبح لدى إسبانيا أول حكومة ائتلافية تم تشكيلها بعد مأزق سياسي استمر تسعة أشهر وإجراء انتخابات تشريعية مرتين في ظرف سبعة أشهر. وأفضت المفاوضات العسيرة والمكثفة بين مختلف الأحزاب السياسية، إلى حكومة يقودها الزعيم الاشتراكي بيدرو سانشيز، وتتكون لأول مرة في التاريخ الديمقراطي لإسبانيا من أعضاء تشكيلتين سياسيتين: الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني وتحالف أقصى اليسار (يونيداس بوديموس). ومع ذلك لا تتوفر الحكومة الائتلافية إلا على 155 نائبا فقط في مجلس النواب و ستحتاج لدعم يقدمه 21 برلمانيا آخرا ينتمون لتشكيلات سياسية أخرى من أجل المصادقة على الإصلاحات التي وعدت بها في المجالات الاقتصادية و القانونية والاجتماعية و البيئية . وسيكون التحدي الأول المطروح أمامها والأهم لضمان استقرار الولاية التشريعية هو القانون العام لميزانية الدولة المتعلق بالإصلاحات الجبائية المعلن عنها في القوانين المنظمة للضريبة على دخل الأفراد و الضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة. وقد أدى رفض المعارضة لحسابات أقرتها السلطة التنفيذية الاشتراكية في عام 2019 ، إلى حل البرلمان و إجراء انتخابات مبكرة . وهكذا يشكل التصويت على ميزانية 2020 اول تهديد جدي لاستمرار الحكومة الائتلافية. و يحضر النزاع الكطالاني أيضا بقوة في برنامج الحكومة . فبيدرو سانشيز ، الذي يحظى بثقة نواب (يونيداس بوديموس) و بدعم الحزب القومي الباسكي و اليسار الجمهوري لكتالونيا لتنصيبه رئيسا للحكومة ، مدعو لاستئناف الحوار مع المسؤوليين الكطالانيين لتسوية النزاع السياسي الذي طال أمده منذ سنوات في هذه المنطقة الواقعة في شمال شرق إسبانيا .
وبالفعل، فإن أول خطوة تم قطعها يوم الخميس الماضي خلال مكالمة هاتفية جرت بين بيدرو سانشيز و رئيس حكومة كطالونيا كيم توارا ، و التي أعرب خلالها رئيس السلطة التنفيذية المركزية عن عزمه " إعادة إطلاق و استئناف الحوار " و عن إرادته راسخة في السعي لتسوية النزاع في كتالونيا ". كما التزم سانشيز ، إلى جانب ذلك بالتفاوض مع اليسار الجمهوري الكتالوني من أجل التوصل لحل للنزاع الكتالوني . و يتمثل هدف الحكومة الائتلافية في ان تتوج هذه المفاوضات بإصلاح النظام الأساسي لكطالونيا، فيما الحزب الجمهوري الكتالوني والحكومة الكتالانية يطالبان بالسماح بتنظيم استفتاء حول تقرير المصير بكتالونيا و هو ما سيتطلب إصلاحا دستوريا . في الشق الاقتصادي ، تتطلع الحكومة الإسبانية الجديدة إلى اتخاذ سلسلة من التدابير التي ستؤدي إلى إلغاء العديد من مقتضيات إصلاح قانون الشغل الذي تمت المصادقة عليه في 2012 من قبل حكومة ماريانو راخوي . أما التحديات التي حددها (يونيداس بوديموس) فتتمثل في بلورة نظام أساسي جديد للعمال وحظر قانونيا إمكانية التسريح للغياب عن الشغل بسبب المرض و اعتماد اتفاقيات جديدة جماعية بتنسيق مع المركزيات النقابية ووضع اتفاقات قطاعية. وينتظر حكومة بيدور سانشيز، التي تم تشكيلها بعد مفاوضات معقدة، اجتياز اختبار حاسم خلال الأشهر القادمة من أجل الوفاء بالتزاماتها و الصمود أمام المعارضة ، لاسيما الحزب الشعبي ، الذي سبق أن أعلن تهديده بعرض على السلطات القضائية المختصة أي إصلاح او اتفاق يمس بمقتضيات الدستور.