في انتظار الانتقال إلى المرحلة الثانية من إصلاح نظام المعاشات (قطبان)، يوجد نظام التقاعد الخاص بالموظفين في وضعية حرجة. ومكن التغيير البارامتري الصندوق المغربي للتقاعد من مزيد من الوقت لكنه غير كاف. فاحتياطاته سوف تنفذ بحلول سنة 2027! لم تتبق سوى 7 سنوات. وفي سنة 2018، بلغت الاحتياجات التمويلية لنظام التقاعد المدني 6.2 مليار درهم. وقد تم تمويل هذه الاحتياجات بنسبة 59 بالمئة من المنتجات المالية، واستعمال 41 بالمئة من الاحتياطيات. ويتضح من خلال قانون المالية لسنة 2020، أن الحكومة ستشرع خلال السنة المقبلة في تنزيل الإصلاح الشمولي لمنظومة التقاعد، وذلك بعدما كشفت معطيات وأرقام وردت في التقرير السنوي لهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، عن وجود خطر الإفلاس يهدد أنظمة التقاعد بالمغرب، بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تعرفها هذه الأنظمة، رغم الإصلاحات التي باشرتها الحكومة السابقة من خلال الرفع من نسبة الاقتطاعات من أجور الموظفين والزيادة في سن الحصول على التقاعد. ولضمان استدامة أنظمة التقاعد تعتزم الحكومة، ابتداء من سنة 2020، الشروع في المشاورات مع الشركاء الاجتماعيين حول خلاصات الدراسة قيد الإنجاز لتنزيل المقترح الرامي إلى خلق قطبين أحدهما للقطاع العمومي والآخر للقطاع الخاص، كما أقرته اللجنة الوطنية المكلفة بإصلاح أنظمة التقاعد باتفاق مع كل مكوناتها بما فيها الشركاء الاجتماعيين والمؤسسات المدبرة لأنظمة التقاعد، وذلك قبل تقديم التعديلات التشريعية ذات الصلة على مسطرة المصادقة. وتهدف هذه الدراسة، إلى وضع المعايير التقنية لمنظومة القطبين (معدل الاستبدال المستهدف، ومستوى تدخل النظام الأساسي والنظام التكميلي وتمويل النظام ووعاء المساهمة والتصفية)، واقتراح منظومة حكامة وتحديد خارطة لتنزيل الإصلاح على أربع مراحل.
وتتعلق المرحلة الأولى بتشخيص الوضعية الحالية لمختلف أنظمة التقاعد المعني بناء على الدراسات التي قامت بها مختلف الصناديق من أجل تقييم ملاحظاتها واستنتاجاتها وإجراء تحليل نوعي ونقدي لجميع المعايير المتعلقة بتسيير الأنظمة وكذا لحكامة وتنظيم مختلف الصناديق المدبرة، والمرحلة الثانية تتعلق بالتصميم التقني للنظام المستهدف وفق المبادئ المؤطرة للإصلاح المقررة في إطار اللجنة الوطنية سنة 2013، ويجب أن تقترح الدراسة، حسب الوثيقة، بالنسبة لكل قطب، "العام" و"الخاص"، سيناريو تصميم تقني يشمل عددا من البدائل المناسبة (5 كحد أقصى) مع تحديد، بالنسبة لكل قطب، معايير مختلف البدائل المقترحة، أما المرحلة الثالثة تتعلق باقتراح منظومة حكامة وآليات تسيير النظام، وتهم المرحلة الرابعة، تحديد خارطة طريق للانتقال إلى النظام المستهدف. وشرع مكتب للدراسات أجنبي في إنجاز دراسة تقنية من أجل تحديد كيفيات تنزيل سيناريو جديد لإصلاح أنظمة التقاعد، بعد حصوله على صفقة من وزارة الاقتصاد والمالية عن طريق مديرية الشؤون الإدارية والعامة، بمبلغ 684 مليون سنتيم. وكشفت وثائق صادرة عن الوزارة، أنه في إطار مواصلة التنزيل التدريجي للإصلاح المقياسي الذي عرفه نظام المعاشات المدنية ابتداء من فاتح شتنبر 2016، عبر الرفع بصفة تدريجية من حد سن الإحالة على التقاعد إلى 63 سنة، بمعدل ستة أشهر عن كل سنة ابتداء من فاتح يناير 2017، وتوسيع قاعدة احتساب معاش التقاعد على أساس متوسط عناصر الأجرة التي خضعت للاقتطاع من أجل المعاش برسم 96 شهرا الأخيرة من الخدمة الفعلية المنجزة ابتداء من فاتح يناير المقبل. وسبق لرئيس المجلس الأعلى للحسابات، إدريس جطو، أن كشف عن معطيات خطيرة تتعلق بإفلاس الصندوق المغربي للتقاعد في أفق سنة 2028، رغم الإصلاحات المقترحة من طرف الحكومة. وأكد تقرير للمجلس أن هذه الإصلاحات لا يمكن أن تشكل سوى مرحلة أولية في إطار إصلاح شمولي لمنظومة التقاعد، كما أن هذه الإصلاحات المدرجة، وإن كانت ضرورية، تبقى غير كافية، لأن الإصلاح المقياسي المقترح لا يشمل مجموع أنظمة التقاعد، بل يقتصر على الشق المدني للصندوق المغربي للتقاعد، ولن يمكن سوى من تقليص العجز الحالي، إذ ستظل المساهمات غير كافية لتغطية الالتزامات وسداد رواتب التقاعد، وسيظل العجز قائما، بل سيأخذ منحا تصاعديا خلال السنوات المقبلة، مشيرا إلى أنه بالنظر إلى حجم الاختلالات التي يعرفها النظام وكذا طابعها الهيكلي، فإن أثر هذه الإصلاحات لن يجدي إلا في الأمد القريب، وسيظل يعاني من عدم توازنه ما لم يخضع لمسلسل إصلاح عميق.