أعلنت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، صباح أمس، وفاة الفريق أحمد قايد صالح قائد أركان الجيش الجزائري عن 79 سنة إثر أزمة قلبية. وبثت لاحقاً أن عبد المجيد تبون، رئيس البلاد وقائد القوات المسلحة الذي يشغل موقع وزير الدفاع الوطني أيضاً، أصدر قراراً بتسمية قائد القوات البرية اللواء سعيد شنقريحة خلفاً بالإنابة للفريق الراحل. وليس جديداً التذكير بأن قايد صالح بات الرجل الأقوى في البلاد خلال المرحلة الانتقالية التي أعقبت استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في غمرة انتفاضة شعبية واسعة النطاق، ما تزال متواصلة رغم الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخرا وفاز فيها تبون منذ الجولة الأولى. وإذا جاز القول بأن انتخاب تبون صار أمراً واقعاً ساري المفعول، على نقيض الرفض الشعبي لقطاعات واسعة في قلب الحراك المتواصل منذ فبراير الماضي، فإن هذا المآل لم يكن قابلاً للتحقق على هذه الصورة لولا إرادة الجيش بصفة عامة، وسلطة قايد أحمد الشخصية بصفة خاصة. وليس جديداً أيضاً التذكير بأن تبون كان المفضل لدى قائد الأركان الراحل بصرف النظر عن إعلانه عدم التدخل في الانتخابات والامتناع عن تفضيل مرشح على آخر، وبالتالي توجب أن يضطر الرئيس المنتخب إلى الارتهان في قليل أو كثير للرجل القوي الذي كان وراء ارتقائه إلى المنصب. وأن يلاقي قائد صالح أجله بغتة وبفعل أزمة قلبية أمر لا يعني بالضرورة إفلات تبون من قبضة الجنرالات، فالمؤسسة العسكرية الجزائرية لم تكن في قبضة منفردة أحكمها الفريق الراحل وحده بل هي تعمل فعلياً كمؤسسة عسكرية وسياسية متكاملة ذات نفوذ واسع يشمل أجهزة الدولة الأمنية والبيروقراطية وبعض الرموز المتبقية من نظام بوتفليقة، بالإضافة إلى عدد من كبار رجال المال والأعمال. ومن المعروف أن مواقف قائد الأركان من الانتفاضة الشعبية تبدلت مراراً وتقلبت كثيراً طبقاً للتطورات المتلاحقة التي تضمنت عزم بوتفليقة على الترشيح لولاية خامسة، ثم تراجعه عنها، وصولاً إلى استقالته في أبريل الماضي. ففي البدء ذهب قايد صالح إلى درجة اتهام الحراك بالتبعية ل"جهات مشبوهة" تسعى إلى "تعكير صفو الشعب الجزائري التواق إلى العيش في كنف الأمن"، ثم تحول إلى النقيض فامتدح التظاهرات واعتبر مطالبها مشروعة وتجب الاستجابة لها، ونادى بعد ذلك بتفعيل المادة 102 التي تخص استحالة ممارسة الرئيس لمهامه بسبب المرض، قبل أن يستقر على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية وتوعد الرافضين لها، من دون أن يتخلى مرة واحدة عن التلويح بسلطة الجيش. ولهذا قد يصح الافتراض بأن المؤسسة العسكرية الجزائرية سوف تواصل النهج ذاته الذي تصدّر قايد صالح إدارة دفته طوال الأشهر العشرة المنصرمة الحافلة بالتطورات، حتى إذا صح افتراض آخر موازٍ يشير إلى أن غياب الرجل الذي كان الأقوى في الجزائر قد يمنح الرئيس تبون فرصة الإمساك بزمام الأمور على نحو أفضل من ذي قبل. وهذا احتمال لا يعني بالضرورة أن البلد سوف ينعم باستقرار أفضل، في ضوء استمرار مطالب الحراك الشعبي بطي صفحة النظام بأسره، جذرياً وبنيوياً، وليس تغيير وجوهه مقابل الإبقاء على جوهره. والثابت الكبير هو أن الجزائر، سواء بعد انتخاب تبون أو رحيل قايد صالح، تظل حبلى بالمتغيرات. عن جريدة القدس العربي بتصرف