أظهرت الأرقام الرسمية الصادرة عن وكالة الإحصاء الحكومية في جنوب إفريقيا، أمس الثلاثاء، ارتفاع معدل البطالة إلى أعلى مستوياتها منذ 15 سنة، وهي وضعية تظهر المهمة الجسيمة الملقاة على عاتق الرئيس سيريل رامافوسا للحد من هذه الآفة التي تهدد استقرار البلاد. وذكرت هيئة الإحصاء أن معدل البطالة ارتفع إلى 27.6 في المائة من السكان النشطين خلال الربع الأول من السنة الجارية، مقابل 27.1 في المائة خلال الربع الأخير من سنة 2018. وحسب المصدر ذاته، فإن جنوب إفريقيا سجلت 6.2 مليون عاطل عن العمل خلال الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2019 مقابل 6.1 مليون عاطل خلال الثلاثة أشهر السابقة. وأضافت الوكالة أن ما لا يقل عن 237 ألف منصب شغل فقدت منذ بداية سنة 2019. ويتعلق الأمر بخبر سيء يأتي بعد أقل من أسبوع من فوز حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم في الانتخابات العامة التي أجريت في 8 ماي الجاري. وتعهد رامافوزا، الذي قاد الحزب إلى الفوز بأغلبية بلغت 57.5 في المائة من الأصوات، خلال الحملة الانتخابية، بإخراج البلاد من الأزمة التي أضحت معقدة منذ العقد الماضي، مع انتشار الفساد وتفاقم العجز الاجتماعي. وبعد أن وصل إلى السلطة في فبراير 2018، وجد رامافوزا إرثا اقتصاديا يتسم بالبطء ونمو ضعيف. وفي سنة 2018 حقق الناتج الداخلي الإجمالي للبلاد نموا أقل ما يقال عنه أنه ضعيف، إذ بلغ بلغ 0.8 في المائة. وتبدو التوقعات بالنسبة لسنة 2019 غير مطمئنة في ظل ركود تنجلي آفاقه مع أزمة الكهرباء التي تقوض ثقة المستثمرين. ورسمت أرقام الوكالة الحكومية صورة قاتمة، ذلك أن مجموع القطاعات الحيوية وصلت تخفيض عدد مناصب الشغل، في مشهد يؤشر على انتشار عام للأزمة. وأجمع المحللون في مركز جوهانسبورغ المالي على التأكيد على أن الأمر يتعلق بإرث ثقيل لرامافوزا المطالب بتدبير ظرفية سياسية واقتصادية معقدة. وقالت المحللة أنابيل بيشوب، بالمجموعة الدولية لتدبير الأصول "إنفيستيك"، إن "جنوب إفريقيا في حاجة إلى إطلاق مسلسل لإعادة الدينامية للاقتصاد الموجه نحو إحداث مناصب الشغل". ووعد رامافوزا، بعد فوز حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في انتخابات الثامن من ماي الجاري، خلال تجمع أمام أنصاره، بإعادة الدينامية للنمو وتشجيع الاستثمارات. ومن أجل تحقيق هذه الوعود، سيكون الرئيس المنتخب مدعوا للاستجابة لمتطلبات الشركاء الدوليين، لاسيما من خلال تنزيل الإصلاحات الهيكلية. وسيعترض تنزيل هذه الإصلاحات، حسب المحللين، عددا من العقبات السياسية، لاسيما الانقسامات التي باتت تطبع الحزب الحاكم. وبعد فوزه في الانتحابات الأخيرة، سيكون أمام رامافوزا مهمة فرض سلطته داخل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الذي طبعته قضايا فساد مست الجهات العليا في الدولة. ولا يخفي أعضاء نافذون بالحزب، يبدون ولاءهم للرئيس السابق جاكوب زوما، معارضتهم لأجندة إصلاحات الرئيس الحالي، خاصة تلك التي تتعلق بالمقاولات العمومية المهددة بالإفلاس. من جهة أخرى، يؤكد المحللون أن أي مجهود لامتصاص البطالة يجب أن يخضع لجدولة زمنية، مع إجراء إصلاح عميق لنظام التعليم. وبعد أزيد من 25 سنة من نهاية نظام الفصل العنصري، يبقى نظام التعليم إحدى المرايا التي تعكس التفاوتات الاجتماعية في البلاد. فقد تحقق تقدم متواضع منذ 1994، سنة نهاية الفصل العنصري، من أجل توسيع ولوج أطفال الأقلية السوداء لتعليم ذي جودة. ووفقا لمعهد العلاقات بين العرقيات، فإن 28 في المائة فقط من الشباب السود يبلغون نهاية السلك التعليمي الثانوي. وتجعل هذه الوضعية الأقلية السوداء من دون عدة للولوج للشغل في هذا البلد الذي انتقل إلى اقتصاد للخدمات بعد سنوات طويلة من التبعية لقطاعي الصناعة والمناجم.