رفعا لكل لبس أوخلط في الأوراق ، فتعلم وتعليم اللغة الفرنسية من أجل تنمية الرصيد المعرفي والتثاقف وخدمة ثقافتنا ومصالحنا شيء ، والنفخ في تلك اللغة والاستقواء بها عبر الإيديلوجية الفرانكفونية وسحب البساط من تحت الفصحى باسم اعتماد اللغة التي " يفهمها الشعب " وعبرازدواجية جديدة قديمة بائرة شيء آخرمختلف تماما ، فتخريجة رئيس مؤسسة زاكورة بشأن تبني الدارجة في التعليم الأولي كفاتحة لتعميمها فيما بعد والإجهاز على ما تبقى من مصداقية للمنظومة التعليمية المغربية في إطارمختبرات التجارب المفتوحة إلى ما شاءالمولى عز وجل ، تندرج ضمن نصائح ودروس أحد ممثلي اللوبي الفرانكفوني المتحكم في عدد من المجالات الأساسية بالبلاد وفي بعض مراكز القرار السياسي والاقتصادي…. وهي التخريجة التي لاقت رفضا شاملا وكاملا من كل القوى الحية في المجتمع ومن طرف أغلب الحساسيات ….هي النصائح الثمينة الموجهة للجهات العليا بتزامن مع عودة أو إعادة وزارة التربية الوطنية إلى حضن التقنوقراط ، بل واحتمال إحراج حكومة بن كيران الثانية ووضع قشرة موز أخرى مؤسفة في طريق الإصلاحات المطلوبة حقا والمعطوبة لحد الآن وهي ذات طبيعة اقتصادية اجتماعية بالدرجة الأولى قياسا لبلد كبلدنا في وضعه الراهن ، وكان من الممكن أن لا يعطى لتلك المذكرة أو التوصية أي اعتبار، بحسبانها صرعة عابرة من صرعات نفس اللوبي التابع المستتبع ل " ماما فرنسا " ضدا على اختيارات كل الشعب وهويته التاريخية والثقافية والرمزية ، كان من الممكن ألا تصبح تلك المذكرة السخيفة موضوع نقاش عمومي ، ولا ينبغي أن نقف ضده بالطبع – أي النقاش - في إطار حرية التعبير ، شريطة تحمل المسؤولية وتقدير خطورة القضية لا العبث بها في كل اتجاه … كان من الممكن أن يأخذ نفس النقاش بعدا بناء للمساهمة في إعداد البلد وتأهيله قصد ربح مختلف التحديات الداخلية والخارجية ، لولا العديد من الإشارات والمشاهد التي ما فتئ أصحابها يرسلونها إلى المجتمع ومختلف فعالياته السياسية والمدنية والثقافية ونحو عموم الناس ، بشأن اللغة العربية والعامية والفرنسية ( الأمازيغية تستدعي نقاشا مختلفا من داخل النسق وليس خارجه لأن الفرنسية لغة أجنبية في كل الأحوال ) ومن وجهة نظري لا يمكن مناقشة القضية بمعزل عن هذا الثلاثي اللغوي الذي ما زال يتعايش ويتصارع ويتدافع ويتكامل بنعومة حينا وحدة أحيانا أخرى ، كما هو حال العربية الفصحى مع العربية العامية ، قلت من تلك الإشارات التي لا يجوز الصمت إزاءها : علامات التشوير وعبارات ولوحات الإشهار ويافتات الفضاءات التجارية التي بدأت تكتسح ميادين وشوارع المدن المغربية منذ مدة ، بكل استفزاز وبدارجة مطلسمة مضحكة بالغة السخف والمسخ والتهجين ( لا أتحدث عن التهجين الأدبي فهو بعيد عما نحن فيه ) يجد المثقف نفسه صعوبة في قراءة عباراتها وحروفها فأحرى عامة الناس ، من حيث أراد أصحابها تحقيق التواصل مع عموم الشعب ( كذا ) وهم بعيدون كل البعد عن همومه الحقيقية واليومية …بعيدون ليس في طبيعة المواد أو العناصر موضوع الإشهار فحسب بل أيضا في العبارات باللغة الفرنسية ثم المسخ اللغوي الدارجي المقابل لها ( ومن الناس البسطاء من لا يقتلع الحرف أصلا عبر الورق أو الشاشة أو اللوحة الإشهارية وهو مكتوب بالدارجة المبتذلة ) لست من عشاق نظرية المؤامرة ، لكني أصدم في العمق بالخيط الواصل بين مصالح وشركات ومؤسسات معينة وتلك الهجومات " الدارجية " المحمومة والمسعورة أحيانا التي استهدفت وتستهدف الشوارع والميادين والفضاءات والبيوت وتهيمن على بعض القنوات والإذاعات المغربية وكثير من المنابر الورقية بل وتشمل أعدادا من المذكرات الرسمية التي وقعها وزراء أول سابقون ، بقيت على الرفوف لمجرد أنها مكتوبة باللغة العربية الفصحى / اللغة الرسمية للبلاد المنصوص عليها مع الأمازيغية دستوريا ، والغريب في الأمر أنه بموازاة عبارات الدارجة في تلك الإعلانات الإشهارية وضع أصحابها عبارات بالفرنسية / السليمة المترجمة إلى الدارجة في احترام تام لرسم حروفها وصرفها وتركيبها ومستواها الدلالي / التداولي …هكذا يمكن أن نصفق ونشد على أيادي واضعي اللوحات لأنهم تلاميذ نجباء فعلا في لغة فولتير وروسو وهيجو ومورياك وساركوزي وشيراك وفي خدمة متفانية لثقافة " التفتح الحضاري " و " الحداثة " المعطوبة التي خلفها لنا البلد المستعمر سابقا ، ويتابعها حواريوه بالمغرب مما يطرح السؤال مجددا : هل هناك فعلا مؤامرة تحاك في السر والعلن ضد لغة الضاد في هذا البلد ؟ ومن طرف التيار الفرانكفوني أساسا والذي لا يمثل إلا الميتروبول وأقلية قليلة من المجتمع ؟ أفترض أن الأمر كذلك للأسف الشديد وإن كنا لا نتمناه ، تتأكد الأشياء من أنه يتعدى مجرد مشروع إقرارالعامية في التعليم الأولي أوإعادة فرنسة أو أنجلة ( الإنجليزية )المواد العلمية في التعليم الثانوي ( بدعوى إخفاق التعريب (كذا….)) علما بأن رموز الرياضيات والفيزياء مثلا موحدة كونيا ويمكن دراستها بأي لغة حتى ولو كانت لغة البانتو/ الإفريقية وكأن اللغة الفرنسية هي الناحتة الأولى للمصطلح العلمي والتكنولوجي أو كأنها اللغة الأولى عالميا والحال أنها تعاني الويلات داخل فرنسا نفسها ، وهي متخلفة في رتبتها كثيرا عن اللغة العربية المحتلة للمرتبة الرابعة عالميا ، ولا يدرك هؤلاء أن أوضاع المنظومة ستبقى على حالها سواء أعيدت الفرنسة أو تمت الأنجلة أو الأسبنة أو الأمركة … أقول إن تعثرات المنظومة التعليمية لا تعود إلى لغة التدريس قطعا بدليل أن الكثير من الأساتذة يدرجون فعليا ( من الدارجة ) داخل الفصول دون نتائج ملموسة وفي جميع المواد وإنما الأعطاب تخص السياسة العامة ( كارثة الخريطة المدرسية مثلا ) و طرائق التدريس ثم العنصر البشري كما يدرك ذلك الخاص والعام …و من مواقع الممارسة اليومية داخل الفصول.. على هذا النحو فإن الأمر يتعدى التعليم والتعليم الأولي باتجاه منحى الإجهازالممنهج و الكلي – لا قدر الله – على لغة الضاد وفي جميع المجالات الحيوية الشيء الذي لا علاقة له بضعف أو صحة أو عافية أو لغة أولى أو ثالثة أو رابعة بعد الألف ، وإنما هو اختيار سياسي / مصلحي أو لنقل إيديولوجي لتيار نافذ متنفذ في مراكز القرار ، ربما لاصلة لكثير من أصحابه حتى بالمعرفة اللسانية أو اللغوية …. اللغة العربية لها نسقها الخاص وقد تطورت عبر التاريخ منذ الشعر الجاهلي ودعمها وحافظ عليها القرآن الكريم ثم تابعت تطورها وصولا إلى ما يسمى بعربية الصحافة المكتوبة ومن الظلم الفادح أيضا قصر اللغة العربية على امرئ القيس وطرفة بن العبد والنابغة الذبياني والجاحظ وابن قتيبة وابن المقفع والأصبهاني و البحتري والهمداني والحريري وأبي تمام والمتنبي والشريف الرضي ، إنها أيضا وإلى جانب هؤلاء أحمد فارس الشدياق ورفاعة الطهطاوي وكارلو نالينو وكارل بروكلمان وماسينيون وجاك بيرك ومحمد عبده وأحمد أمين و ألفريد البستاني ولويس معلوف وإيليا أبو ماضي و ميخائيل نعيمة و جبران خليل جبران وبدوي الجبل والشاعر القروي وغسان كنفاني وإميل حبيبي وتوفيق زياد ونجيب محفوظ وعباس العقاد وعبد العزيز بن عبد الله و عبد الكريم غلاب وعبد الكريم بن ثابت و محمد برادة و محمود درويش و أحمد عبد المعطي حجازي و عبد الرحمان منيف وفدوى طوقان و جبرا إبراهيم جبرا وعبد الجبار السحيمي و محمد زفزاف و ادريس الصغيرو عابد الجابري و عبد الله العروي والطاهر وطارو خناثة بنونة و أحمد المديني و أحمد بوزفور ….وغيرهم كثير كثير وفضلا عن هؤلاء ، هناك عشرات الباحثين والباحثات في المعاهد ومجاميع اللغة العربية والمؤسسات المختصة الذين يسهرون على تطوير لغة الضاد وهو جار على قدم وساق ، ومن باب الاعتراف بالفضل لأهله أن يقف الإنسان إجلالا للشباب العربي الذي أدخل الحروف العربية بنجاح إلى أنظمة الحاسوب والشبكة العنكبوتية بالإضافة إلى جهود الفضائيات المحترمة والمنابر الورقية والتي تشكل في الواقع أفضل رد عملي على من يسعون إلى تبخيس ثقافة شعوبهم ورأسمالها الرمزي من دعاة الاستتباع والاستلاب …. وإذا كان القوم المستلبون يعرفون هؤلاء المبدعين والباحثين وعشرات غيرهم ممن مثلوا ويمثلوا اللغة العربية الحديثة أحسن تمثيل فتلك مصيبة أما إذا كانوا لا يعرفونهم فالمصيبة أعظم لأن من جهل شيئا عاداه ….نهمس أخيرا لهؤلاء أن اطمئنوا رعاكم الله فأنتم بعيدون حتى بدارجتكم عن هموم الناس وانشغالاتهم الملحة….إذ متى كانت الفرنسية والعامية تنعمان بزواج كاثوليكي في المجتمع المغربي إلا عند بعض المغاربة ممن وضعوا أنفسهم بعيدا عن السياق وخارج التغطية للتحكم بشعب لا يعرفهم ولا يعرفونه….أو بالأحرى لا يفهمهم ولا يفهمونه ؟…..ولله الأمر من قبل ومن بعد… * كاتب / فاعل مدني