ذ. عبد الحي الرايس(إطار تربوي وفاعل جمعوي) اختيارٌ ما فتئ السيدان عزيز داودا ونور الدين عيوش ومَنْ لَفَّ لَفَّهُمَا يتحمسون له ويدافعون عنه، على اعتبار أن مشكل التعليم في بلادنا آتٍ من لغة التعليم،وأن أيْسَرَ تعليمٍ هو ما يتمُّ باللغة الأم، وما دامت الدارجةُ لُغتَنَا الأم، فينبغي أن يكونَ بها التعليم إن نحن أردنا إصلاحاً له (كما يقولون). ولو سلَّمنا جدلاً أن الأمر كذلك، لَتكشَّف لنا أن الدارجة دوارج ودارجات، فبأيها نأخذ؟ ثم إن تعليم اللغة إكسابٌ لآليات ضبطها، فهل للدارجة ضوابطُ موحدة معلومة، أم أن الدعوة لاِعتمادها لغة تعليم ستبعث على قوعدتها وإعداد ضوابط ومعايير لها؟ ! والسيدان المحترمان إذْ يدافعان عن اعتماد الدارجة بلغة فرنسية معيارية، ألم يتساءلا يوماً عن السر في عدم اعتماد الدارجات بفرنسا أداةً للتعليم ومُنطلقاً له؟ تعددت الدارجات بفرنسا، ولكن اختيارَ توحيد الشعب الفرنسي وتيسير تواصله مع تراثه ومناطق نفوذه، ألزم باعتماد لغةٍ معيارية واحدة موحدة، ثم صار يبحث عن سبل تطوير التعليم والارتقاء بطرائق التربية وأساليب البحث العلمي، فلم لم تتردد الدعوة لديه إلى اعتماد الدارجة منطلقاً للتعليم؟ ! وليست التجربة الفرنسية المرجعية الوحيدة في الموضوع، فلطالما تردد الحديث عن التجربة اليابانية والصينية والهندية، وعن الفتنمة والعبرنة وغيرهما كمصدرِ توحيد وإثباتٍ للهوية ودعمٍ للتنمية. والحال أن دارجتنا أو دوارجنا أقربُ ما تكون إلى الفصحى، التي باعتمادها لا نوحد شعباً فقط، وإنما نوحد أمة، ونُبقي عليها موصولةً بتراثها، متواصلة مع بعضها، قادرة على الإنتاج والعطاء. فلما ذا الدفاعُ عن دارجةٍ تفتقد المعيار وتُكرِّسُ القطيعة والشتات ، وتَبْعُدُ بناشئتنا عن التواصل مع باقي مكونات الأمة وعن التراث؟ ولعل أصلَ مشكل التعليم في بلادنا إنما مَردُّهُ أوَّلاً إلى الحيرة والتأرجح بين فرْنَسَةٍ متواصلة، وتعريبٍ يقف عند عتبة التعليم العالي، وما أفلحتْ أمة أسلمت زمامها إلى التيه والحيرة ووهن الإرادة والتأرجح بين الاختيارات. فإذا انضاف إلى ذلك مشكلُ تكوين المدرسين وتأهيلهم، وإهمال منحهم القيمة والاعتبار، إلى جانب اكتظاظ الفصول والابتعاد عن تفريد التعليم، وسرعة تغيير المناهج والمقررات والكتب المدرسية، والإمعان في اعتماد التلقين الأداة الأولى للتعليم، ومشكلُ الإجحاف في رصد اعتمادات البحث العلمي والتربوي، وقفنا على كثير من الثغرات وعديدٍ من الأدواء. ويظل إصلاح التعليم مرهوناً بالانكباب على إعداد إستراتيجية تُعَبِّدُ المسار المنفتح على التقويم والتنقيح، لكن بعد الحسم في الاختيارات ورسم التوجهات، بمنأى عن الذاتيات (التعامل مع مدرسة التميز نموذجاً)، والتسرع في تأكيد الفرضيات، والارتجال في اتخاذ القرارات.