محمد جنياح * حين توقفت الحركة ولفظت المدينة ضوضاءها الأخير، تحت قيظ النهارات المتناسلة بالملل والصمت الثقيل، كنت منعزلا في ركن مقهى الانتظار، أرشف من كأس قهوة الألم المرة المنقوصة من سكر الأمل، كنت أدخن بشراهة لفافة الصبر وأنفث دخان التعب في الهواء المضغوط بأنفاس واااهات المعطلين والمشردين والفقراء المنسيين والنساء المتسولات النازحات من أوطان النار والعار والدمار.
الهاتف النقال الذي كان يضج بالفرح والحيوية والمرح دات أمل ، أصبح أخرصا ينبض بالوحشة والقلق، صمت ثقيل يشبه صمت المقابر المهجورة ساعة القيلولة القائظة كأن الزمن الدرامي قد توقف عن المسير، إلا من بعض الذباب يطير في الهواء بتثاقل وكسل كبيرين. بين الشرود والشرود كنت اقلب صفحات جريدة الحياة القاسية على البعض بدون شفقة والمانحة بسخاء للبعض الآخر، كنت أتصفحها فأتوقف عند عناوينها المدمرة الصادمة: "الحكومة وقراراتها المتسرعة المتخدة ضدا في الطبقات المسحوقة، الحكومة تبشر الأغنياء بإعفاء ضريبي جديد آخر، تراجع الحريات بشكل كبير، المغرب في المراتب الأخيرة عالميا في التعليم، وفي مرتبة متقدمة جدا ضمن الدول الأكبر مديونية في العالم، المعارضة تشكو الملك، الحوار الاجتماعي والباب المسدود، النقابات ترعد وتزبد، تتوعد وتهدد، السيبة والتطرف بكل أشكاله وانواعه، "التشرميل" في الشواطىء في القطارات والأعراس وفي الأزقة والحارات ، دهس شرطي في مدينة طنجة من طرف سائق متهور، رجل خمسيني يغتصب ابنته بطريقة وحشية، سيناريوهات : فيلم الزين اللي فيك، مثلي فاس، صاية انزكان والتضامن المفرط معها، التكفير لبعض الزعماء السياسيين والمفكرين من طرف علماء الدم، حمى الانتخابات، تفنن السلطات وإبداعها المعهود في تقسيم الدوائر الانتخابية لصالح من تحبهم وتهواهم، الزيادة في تقاعد الوزراء، تمديد سن التقاعد ضدا في البؤساء، التنقيل التعسفي، تبادل السب والشتم واللكم داخل البرلمان، و.... " بعد هذا الشرود ،عدت للكتابة لكي أدوّن هذا "الكابوس المزعج" محاولا التخفيف من ذلك الضغط المتوحش القاتل، فأكتب عن مأساتي المتكررة، عن حظي العاثر، عن خيبات ونكسات أناس يشبهونني في الألم والهم والندم، أناس أحبوا وطنهم بقوة فرفضهم بقسوة، وتارة أخرى كنت أبدد كاآابتي وأمني النفس بالأمل والحلم بربيع غد قد يكون أجمل وأبهى. كنت أحلم وأنا بين اليقظة والسهو متأملا من نافدة الواقع المر شمس عمري وهي تميل نحو الغروب قد تعود أو لا تعود غدا صباحا.