تفتحت شهيتي للكتابة ..وطَفِق اليراع المُصادر ينزف لعله يُشفى من سقمه، وهذه المرة الحقل السياسي يشدني بقوة إليه لأنه خرج عن المألوف وبدأ يزمر ويطبل إيقاعات مثيرة للذهول والاستغراب .. لقد صار المشهد السياسي المغربي يتأرجح بين المعقول واللامعقول ..يرقص على وتر استبلاد المواطنين واستحمارهم، وسمحا على هذا المصطلح الدخيل على ثقافتنا المعروفة بمصطلحاتها الرصينة البليغة..لكن هي الظرفية تفرض نفسها..وتجعلني أتوقف كثيرا وأقول :" لماذا التوسل بغير العاقل للتعبير عن مواقفنا وآرائنا وتوجهاتنا السياساوية،تُرى هل عَدِمَ الإنسان صفته المائزة "العقل" ،هل عَدِم كل السبل المنطقية ..أم أنه فقط يرغب في إثارة الانتباه لأنهم – عفوا - أو بالأحرى لأننا فطنا لألاعيبهم الحقيرة.فكما هو معروف عصرنا الراهن يرتهن إلى الخروج عن المألوف إذا رغبت في الشهرة والوصول ولو على حساب المبادئ والأخلاق .. فمن قال لكم أننا بحاجة لأرائكم أنتم -أيها الطبقة –المسحوقة..فنحن نبيع شعاراتنا ونسوقها للكثيرين ممن باعوا ضمائرهم لحسابنا.
إن الحقل السياسي المغربي يتحفنا كل مرة بجديد، وهذه المرة تطل علينا "الحمير" في مسيرة احتجاجية مثيرة للغاية وهي التي التصقت بها العديد من النعوت القدحية :الغباء ،البلادة،الطاعة ..لكن بطبيعة الحال هذه النعوت لا تثنينا عن الاعتراف بجميل سلالة الحمير في حياتنا فهي الطيعة،المتحملة لأوزارنا، ولهفواتنا.
لشدة الوقع ذُهِلت عدسات الكاميرا،والْتُقِطَتْ للحمير صور معبرة،نشرت في الصفحات الأولى للجرائد والمواقع الإلكترونية وفي الصفحات الاجتماعية،إنه بالفعل مشهد تطبعه الغرابة. - فهل إشراك الحمير في الفعل السياسي يعيد بنا التاريخ إلى الوراء،لأنه في الثقافة الحمارية "الحمار" له تاريخه العريق، فلم يكن هذا الأخير دوما رمزا للغباء والطاعة ..إنما نجد هذا الوصف قد التصق كذلك بالإنسان الذي لا يعرف الكلل من أجل الوصول إلى مآربه والتي غالبا مالها ارتباط بالسلطة ،فذاك مروان بن محمد الأموي الذي التصقت به سمة الحمار، وذاك أيضا الزرهوني الروكي "بوحمارة"،مما ينم على أن الحمار لم يرادف دائما النعوت القدحية.
والسؤال الملح ،هل توظيف الحمار في السياق السياسي،ينم على أنه طفت للسطح أساليب جديدة للاحتجاج..إنه لأمر عجيب أن يتخلى العقلاء منا عن عقلهم ويتهافتون وراء كل غريب عجيب لإرضاء نزواتهم المريضة..وكأن بهم هذه المرة جنون السياسة..
لا غرو إذن من أن هناك ثقافة مريضة استبدت بهؤلاء فجعلتهم يتحاملون على سلالة الحمير المغلوب على أمرها..فالمشهد يوحي بغياب الحوار كمنهج لحل الخلافات، وأننا بتنا بصدد حوار الطرشان أو المعارضة لأجل المعارضة ..وهو حتما ما سيفضي بمشهدنا السياسي إلى مزالق خطيرة لا تُحمد عُقبها..فهل من مذكر ؟!!.
أعود وأكرر تيقنوا أننا نعيش في عالم سياسي متشردم تهيمن فيه المصلحة الفردية ،وتغيب فيه المصلحة العامة ..لذلك لا تسألوا أهل السياسة لما عزوف الشباب عن السياسة؟ !.
فشاببا واع أكثر من أي وقت مضى بضرورة التغيير، بيد أنه لا يود مشاركتكم في طرقكم البلهاء تلك التي تحط من قيمة الكائن البشري وتزدري السلالة الحميرية ...فحذار من أن توجه لكزاتها المباغتة إليكم.فحنق الحمير ما أصعبه !!.
وخير ما أختم به هذه السطور دعونا من الشد والجدب في مدارات السياسة ..فمواطننا ضجروا من السياسة الاستحمارية ..فلم يعد الغبي غبيا...وفعلوا وعودكم للنهوض بهذا البلد الكريم الذي يعيش على واقع الأمل في غد أفضل.
فالحمار قط لن يعزف سياسة ولن يظل ينهق نقيهه المعهود ..فلا تتأملوا في سياسة مبناها الشعارات الجوفاء..فعلوا إذن وعودكم ودعكم من استحمار المواطن...فقد انتهت سياسة الخنوع دونما عودة.