على مساحة زمنية عمرها أربعة وأربعون عاما تربع الجيلالي كربيش على عرش الصورة بمدينة تازة، واستحق أن يلقب ب" كينﯓ الصورة " ..ظل دائما يمعن في التماهى مع دهاقنة فن التصوير و- بالذات- يصر على تذكيرنا بأن اسمه لا يمكن أن يقترن إلا بجوهرة المغرب السمراء في مجال التصوير "مرادجي".
إنه يعلن أحقيته في امتلاك بقعته الزمنية وحقه من لعبة تحنيط الزمن وتخليده،....لقد رسم هذا " الكينﯓ" لنفسه زمنا متعدد الجوانب والأبعاد، ومعكب الوجود والوجوه والأشياء والأسماء مذكرها ومؤنثها، غريبها وأليفها، وسار يمتص نبض لذته من معاكسة العالم ليكتبه صورة ثابتة أحيانا ومتموجة أحيانا أخرى. الجيلالي كربيش عاش يجري بشغف ولهف في اتجاه الإمساك باللحظة من حيث تدري ولا تدري، ظل متأبطا كليشيهاته ومتربصا بالوجوه يتفرس فيها ويوغل في قراءتها قراءة المحب المستهام، وهو إذ يفعل ذلك كان موزعا بين زمنين: زمن نحياه ويحيانا ولا أحد يستطيع أن يوقف الآخر ويكبح جماحه، وزمن يسكننا ويتبعنا، لكنه قد ينفلت منا في أي غفلة أو مكان هو ذاك زمن الصورة الذي سرق بهاؤه عشق "الكينﯓ التازي" الجيلالي كربيش.
هو في الظاهر يبدو كأنه يحمل آلة تصوير وكاميرا، يقفز بهما ذات اليمين وذات اليسار وذات البسمات وذات الجهمات وذات السكنات وذات الحركات، لكنه في العمق يحمل زمنا واحدا لأوجه متعددة، هو هذا الزمن المنفلت والهارب من سلطة القدر وبريق الموت،
هو الزمن الواقع في قبضة هذا " الكينﯓ" المتشح بعشق تازة وعوالمها العصية عن الافتضاض والمحاصرة.
الصورة كالحياة وكالفتاة، تتقلب وتنقلب، تقبل وتدبر تتمنع وترغب، تنصاع وتنقاد فقط لصاحبها وفارسها، وإنها لعظيمة إلا على الراسخين.
فهل يشعر أمثالي من أصحاب المصورات الصغيرة بالخجل حين يقفون أمام " كينك الصورة " الجيلالي كربيش؟ لعلهم يشعرون ولا يفصحون، إنهم يضمرون...